بقي الكلام فيما ذهب إليه المحقّق الخوانساري (١) ومال إليه الشيخ الأنصاري على ما في التقريرات (٢) وهو التفصيل بين الضدّ الموجود فيتوقّف ضدّه على رفعه وبين الضدّ المعدوم فلا يتوقّف ، بتقريب أنّ الضدّين إن لم يتحقّق منهما شيء في الخارج ، فقابليّة الخارج للاتّصاف بكلّ منهما متحقّقة بالفعل ، وحينئذ فمع تحقّق المقتضي لأحدهما فقط يوجد ، ومع تحقّق المقتضي لكلّ منهما فلا بدّ من خلوّ صفحة الوجود عنهما معا لو تساوى المقتضيان ، ومع غلبة أحدهما لا بدّ من تحقّق مقتضاه دون المغلوب ، وأمّا إذا كان الضدّ موجودا في صفحة الوجود ، كأن اتّصف الجسم بالبياض فالجسم المتّصف بالبياض لا قابلية له للاتّصاف بالسواد أصلا ، فلا بدّ من عدمه أوّلا ليتّصف الجسم بالسواد ، فعدمه من المقدّمات لتحقّق القابلية. وهذا بخلاف ما لو لم يكن أحدهما موجودا فقابليّة الجسم حينئذ حاصلة بالفعل بلا توقّف على شيء.
أقول : لو بني على أنّ الموجود لا يحتاج في بقائه إلى علّة بل إنّه إذا وجد المعدوم استمرّ بلا حاجة إلى مؤثّر كان لهذا الكلام وجه ، إلّا أنّ هذا الأمر غير تامّ ؛ فإنّ مناط الاحتياج إلى المؤثّر مشترك بين تمام الممكنات ، ولا ريب أنّ بقاء البياض في الجسم محتاج إلى مؤثّر وعلّة ، وحينئذ فمقتضى البقاء للبياض يجتمع مع مقتضي السواد ، فإن تساويا فلا يتّصف الجسم بأحدهما بقاء ، ومع غلبة أحدهما يتوقّف وجوده على رفع ضدّه كغير المتّصف بأحدهما. وبالجملة فلا فرق بين أن يكون المحلّ مشغولا بأحد الضدّين أو لا في أنّه إن كان توقّف في البين فلا فرق في المقامين ، وإن لم يكن توقّف في البين فلا فرق [أيضا] بين المقامين.
__________________
(١) نسب إليه في مطارح الأنظار ١ : ٥٠٩.
(٢) انظر المصدر المتقدّم.