والظاهر أنّ المقام ليس من صغريات ما نحن فيه والحجّ هو المقدّم ، أمّا كونه ليس من صغريات المقام فلأنّه إنّما قدّمنا في مقام الترجيح ما كان الواجب فيه متقدّما لا ما كان الوجوب فيه أو سبب الوجوب مقدّما ، وفي مسألة الحجّ والنذر ليس المتقدّم إلّا الوجوب إن قلنا بالوجوب التعليقي ، أو سبب الوجوب إن لم نقل به ، وأمّا الواجبان فهما متقارنان ، بخلاف ما نحن فيه من القيام في صلاة الظهر والعصر والتيمّم لأحدهما والوضوء للآخر حيث يحتاج المكلّف إلى وضوءين ، فالحجّ والنذر ليس من صغريات المقام من تقديم ما كان زمانه أسبق.
وأمّا وجه تقديم الحجّ فلأنّ النذر وإن شارك الحجّ في اشتراطه بالقدرة الشرعيّة إلّا أنّ الوفاء بالنذر إنّما يجب إذا لم يك مقتضيا لتحريم الحلال وتحليل الحرام وإلّا فلا يتوجّه حينئذ الوجوب نحو الوفاء والوفاء ، في المقام في نفسه ومع قطع النظر عن توجّه الوجوب إليه موجب لتحليل الحرام وهو ترك الحجّ فإذا كان كذلك فلا يتوجّه وجوب الوفاء نحوه في تلك السنة ، وحينئذ فلا مزاحم لوجوب الحجّ وإلّا لجاز لكلّ أحد تفويت وجوب الحجّ بنذر صلاة ركعتين عند أهله ولا يلتزم بذلك أحد.
هذا مع إمكان أن يقال : إنّ القدرة في جانب النذر شرط من جميع الجهات ولكنّها في الحجّ ليست كذلك ، فإنّ استطاعة السبيل إلى الحجّ التي أخذت في موضوع وجوب الحج قد فسّرت في أخبار أهل البيت عليهمالسلام (١) بصحّة البدن والزاد والراحلة وتخلية السرب ، وحينئذ فهو غير مشروط بالقدرة المطلقة ، بل بقدرة خاصّة وهي حاصلة حتّى مع النذر ، بخلاف النذر فإنّ شرطه القدرة المطلقة حتّى أنّ الأمر بالحجّ يرفعها ؛ لعدم القدرة حينئذ شرعا.
__________________
(١) الوسائل ٨ : ٢٣ ، الباب ٨ من أبواب وجوب الحج ، الحديث ٤ و ٧ و ١٠.