وبالجملة ، أنّ ملاك النزاع في جواز الاجتماع وعدمه هو سراية الأمر إلى متعلّق النهي وبالعكس ، وهذا الملاك يشمل جميع أقسام الوجوب والتحريم إلّا أنّ تصوّر التحريم التخييري غير معقول كالكفائي ؛ لرجوعه إلى تحريم المجموع أو التحريم على المجموع ، والتخيير يكون في الامتثال لا في أصل التحريم. والتكليف الغيري التحريمي وإن أمكن تصويره إلّا أنّ التحريم الغيري لا ينافي التقرّب بالملاك ، كما أنّ الأمر الغيري لا يقتضي التقرّب وإنّما يقتضيه الأمر النفسي ، فتأمّل فإنّه دقيق.
الأمر الرابع : في أنّ المسألة عقليّة لا لفظيّة ؛ لأنّا ذكرنا أنّ محور البحث هو سراية النهي إلى متعلّق الأمر وعدم سرايته ، وهو أمر عقلي لا مدخليّة للألفاظ فيه ، نعم يرجع إلى العرف بما أنّهم عقلاء. وما ذكره بعضهم من القول بالامتناع العرفي (١) في الحقيقة قول بالجواز وليس تفصيلا في المسألة ، فافهم.
الأمر الخامس : اعتبر بعضهم في جريان النزاع وجود المندوحة (٢) ، والظاهر كما ذكر في الكفاية (٣) عدم مدخليّتها في محور النزاع ـ وهو السراية وعدمها ـ لأنّ سراية الأمر إلى متعلّق النهي وعدمه لا يتوقّف على وجود المندوحة ، فإذا قلنا بالامتناع فلا أثر للمندوحة أصلا ، وإذا قلنا بالجواز وتقديم جانب الأمر اعتبر حينئذ وجود فرد آخر غير مزاحم بالتحريم ليمكن توجّه الأمر بالطبيعة حينئذ. فإذا قلنا بالجواز الفعلي ولم تكن ثمّة مندوحة كان من باب التزاحم قطعا فيقدّم ما هو أقوى ملاكا ، وأمّا إن كانت ثمّة مندوحة ومع ذلك أتى المكلّف بالفرد المنهيّ عنه فهل يكون من باب التزاحم أم لا؟ ذكر المحقّق الثاني قدسسره أنّه لا يكون من باب التزاحم ؛ لأنّ وجود
__________________
(١) الظاهر هو المحقّق الأردبيلي. انظر مجمع الفائدة ٢ : ١١٢.
(٢) الذي أخذ قيد المندوحة صريحا في موضع النزاع هو صاحب الفصول قال : في صدر المسألة ما هذا لفظه : وإن اختلفت الجهتان وكان للمكلّف مندوحة في الامتثال فهو موضع النزاع ، راجع الفصول : ١٢٤.
(٣) كفاية الاصول : ١٨٧.