ثمّ إنّ العموم يختلف فإنّ المتكلّم قد يلحظ الطبيعة ويحكم عليها ملاحظا لها فانية في كلّ فرد فرد من الأفراد ، وهو المعبّر عنه بمطلق الوجود وبالعموم الاستغراقي ، وحكمه أنّه ينحلّ الحكم إلى أحكام بعدد الأفراد ، فيكون لكلّ فرد امتثال وعصيان مستقلّ.
وقد يلحظ الطبيعة فانية في جميع الأفراد فناء واحدا ويحكم عليها بهذا اللحاظ ، ويسمّى بالعموم المجموعي ، ويكون الامتثال عبارة عن الإتيان بإكرام مجموع العلماء حيث يقول : «أكرم العلماء» بهذا اللحاظ ؛ إذ المأمور به إكرام المجموع فلو أكرمهم إلّا واحدا فلم يمتثل ذلك التكليف ، إذ هو واحد ليس إلّا ، فإمّا أن يمتثل وأمّا أن يعصى.
وقد يلحظ الطبيعة فانية في أوّل وجود فرد من أفرادها ، وهو المعبّر عنه بصرف الوجود وبالعموم البدلي.
فمثال الأوّل أن يقول : أكرم كلّ عالم ، ومثال الثاني أن يقول : أكرم مجموع العلماء ، ومثال الثالث أن يقول : أكرم أيّ عالم. ويلزم العموم البدلي الترخيص في التطبيق على كلّ فرد من الأفراد.
ثمّ إنّه لا يكاد يشتبه العموم البدلي بأحد القسمين الأوّلين إلّا أنّ العموم الاستغراقي مع المجموعي كثيرا ما يشتبه المراد منه فهل هناك أمر يعيّن أحد العمومين؟ ذكر الميرزا النائيني قدسسره أنّ الأصل في العموم الاستغراقي ، فإن علم إرادة المجموعي وإلّا فيحمل على الاستغراقي. وقد ذكر في وجهه أنّ المجموعي يحتاج إلى لحاظ المجموع والأصل عدمه (١). ولا يخفى أنّ المقام ليس من قبيل الأقلّ والأكثر بل من قبيل المتباينين ، فإنّ العموم المجموعي كالاستغراقي لا بدّ في كلّ منهما من لحاظ الطبيعة فانية فتارة في كلّ فرد فرد واخرى في المجموع فليسا من قبيل الأقلّ والأكثر ، وحينئذ ففي موارد الاشتباه لا بدّ من الرجوع إلى الاصول العمليّة لإجمال اللفظ ، فافهم.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٢٩٥.