ثمّ إنّ الكلام يقع الآن في جريان الاستصحاب في العدم الأزلي وعدمه.
ذكر الآخوند قدسسره جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة فيما كان الموضوع للعامّ غير مقيّد بعنوان وجودي بل بعنوان غير الخاصّ ، وهذا يكون في المخصّصات المنفصلة أو بالاستثناء من المتّصلة مثلا إذا ورد أن «كلّ امرأة تحيض إلى الخمسين» وورد «أنّ القرشيّة تحيض إلى الستّين» فإذا تردّدت المرأة الخارجيّة بين كونها قرشيّة أم لا ، فنقول : إنّه قد اخذ في موضوع التحيّض إلى الخمسين أن تكون امرأة غير قرشيّة ، فأصل المرأة كانت مسبوقة بالعدم إلّا أنّ عدمها انتقض بالوجود ، وأمّا كونها غير قرشيّة فلم يعلم انتقاضه ، فالاستصحاب يقضي بكونها غير قرشيّة ويقضي بعدم تحقّق النسبة بينها وبين قريش ، فتبقى تحت عموم ما دلّ على أنّ المرأة تحيض إلى الخمسين. نعم لو احتاج إلى انتسابها لغير قريش لم يكف استصحاب العدم الأزلي إلّا بالأصل المثبت (١).
وقد أنكر الميرزا النائيني قدسسره إجراء استصحاب العدم الأزلي في مثل المقام ، وقد مهّد لكلامه مقدّمات لا بأس بأن نشير إليها :
الاولى : أنّ العامّ إذا خصّص فلا بدّ من أن ترفع اليد عن عموم العامّ ، ضرورة أنّ بقاء عمومه مع العلم بتخصيصه متنافيان ؛ إذ العموم معناه وجوب إكرام كلّ فرد فرد من أفراد العالم سواء كان عادلا أم كان فاسقا ، وهذا لا يجتمع مع قوله : «إلّا الفاسق» أو قوله بدليل منفصل : «لا تكرم فسّاق العلماء» ضرورة أنّ أخذ العلماء على الإطلاق موضوع الحكم معناه أنّه بأقسامه المنقسم إليها موضوع حكمه والتخصيص مناف لذلك قطعا ، فكل تخصيص يستدعي تعنون العامّ بغير عنوان الخاصّ قطعا.
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ٢٦١.