وأجاب ثالثا : بتخصيص هاتين الروايتين لما دلّ على اعتبار رجحان الفعل المنذور فيعتبر رجحانه في نفسه ومع قطع النظر عن تعلّق النذر به إلّا في هذين الموردين فيكفي الرجحان الناشئ من قبل النذر (١).
وهذا الوجه الثالث هو الوجه الصحيح الذي يمكننا الاعتماد عليه فهو من قبيل التخصيص لعموم اعتبار رجحان الفعل في نفسه.
بقي الكلام في أنّه إذا ورد «أكرم العلماء» مثلا ثمّ ورد أنّه «لا تكرم زيدا» وتردّد زيد بين أن يكون ابن عمر ليكون تخصيصا أو أنّه ابن بكر ليكون تخصّصا لأنّه جاهل وليس بعالم ، فيتمسّك حينئذ بعموم أكرم العلماء وأصالة عدم التخصيص فيثبت بها وجوب إكرام زيد بن عمر ، ولازمه حرمة إكرام زيد بن بكر ، ولوازم العموم من الاصول اللفظيّة حجّة بلا كلام قطعا ، وهذا مما لا ريب فيه.
وإنّما الكلام في أنّه إذا علم خروج زيد بعينه وأنّه ابن خالد ودار الأمر بين كونه عالما خرج بالتخصيص أو أنّه جاهل فهو خارج لكونه ليس من أفراد العامّ فخروجه تخصّصي لا تخصيصي ، فهل يمكن التمسّك بالعموم؟ ولازمه كون زيد بن خالد جاهلا فيحكم عليه بما للجاهل من الحكم ، ومثاله الفقهي ماء الاستنجاء فإنّه لا ينجّس ما يلاقيه قطعا ، إلّا أنّ الكلام في أنّه نجس لا ينجّس فهو تخصيص من عموم تنجّس ملاقي النجس المائع ، أو أنّه طاهر فعدم تنجيسه لطهارته فيكون عدم تنجيسه تخصّصا لا تخصيصا؟ الظاهر أنّه لا يمكن التمسّك بالعموم ليلزم طهارته ؛ لأنّ أصالة العموم أصل عقلائي استقرّ بناء العقلاء عليه حيث يحرز كون الفرد فردا للعامّ ويشكّ في حكمه ، أمّا حيث يعلم حكمه ويشكّ في كونه فردا فلم يستقرّ بناء العقلاء حينئذ على التمسّك بالعموم أصلا ، ومن هنا لا دليل على أصالة العموم في المورد أصلا (وإن قلنا بطهارة ماء الاستنجاء للاستظهار من قوله عليهالسلام :
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ٢٦٣.