بقي الكلام في نذر الصيام في السفر والإحرام قبل الميقات اللذين جعل الخصم لهما مؤيّدين لمدّعاه من التمسّك بالعموم.
وقد أجاب صاحب الكفاية عنهما بأنّهما ـ يعني الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات ـ راجحان ، وإنّما لم يأمر الشارع بهما لمانع يرتفع مع النذر ، ومن هنا حكم بصحّتهما (١).
ولا يخفى أنّ هذا الوجه لا يمكن الحكم بصحّته ، فإنّ مقتضاه الصحّة في الامتثال وإن لم ينذر ، لأنّ المانع إنّما هو من الأمر وليس مانع من الامتثال والمفروض رجحانه فعلا ، والفعل الراجح يصحّ الإتيان به متقرّبا إلى الله وإن لم يأمر به بعد إحرازه رجحانه.
وأجاب ثانيا : بأنّ تعلّق النذر بهما اقتضى رجحانهما ، والرجحان المعتبر إنّما هو عند الامتثال لا عند النذر (٢) ، ولذا يصحّ نذر الحائض الصلاة في أيّام طهرها. وقد ذكر السيّد اليزدي هذا في عروته (٣) ، وأشكل الميرزا النائيني قدسسره عليه في الهامش بأنّ مقتضى ذلك جواز نذر المحرّمات ؛ لأنّها بنفس النذر ترجّح (٤).
ولا يخفى عدم ورود ذلك عليه ؛ إذ إطلاق دليل تلك المحرّمات كاف في التحريم ، وإنّما قال ذلك في خصوص نذر الصوم ونذر الإحرام لتحقّق الدليل في خصوص هذين المثالين ، فلو فرض ورود دليل في محرّم آخر غيرهما لقلنا به.
نعم ، يرد على هذا الوجه أنّ هذا خلاف ظواهر الأدلّة فإنّها ظاهرة في اعتبار الرجحان للفعل المنذور في نفسه ومع قطع النظر عن النذر لا أنّه بالنذر يكون راجحا.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٦٣.
(٢) انظر المصدر السابق.
(٣) انظر العروة الوثقى ، كتاب الصلاة ، فصل في أوقات الرواتب ، المسألة ١٧.
(٤) انظر ذيل المصدر المتقدّم المحشّى بحاشية الميرزا النائيني قدسسره.