واخرى يتكرّر مثل قولنا : «أكرم العلماء والادباء والشعراء وأكرم الامراء إلّا الفسّاق» فكأنّه قطع الكلام بتكرار المحمول عمّا قبله ، فيأخذ الاستثناء محلّه من الكلام فيرجع إلى خصوص ما بعد المحمول المتكرر من العمومات. ولو تكرّر الموضوع والمحمول في كلّ جملة فلا ريب باختصاص الاستثناء بالأخيرة ويرجع فيما عداها إلى أصالة العموم.
ودعوى : احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة ، إن اريد به مجرّد احتمال جعله قرينة وإن لم يكن اعتماد العرف عليه في محاوراتهم فلا يرفع الظهور ، وإن اريد به المورد الذي يشكّ في تعويل العرف عليه بحيث نحتمل أن يعوّل العرف على إرادة الرجوع إلى الجميع على تلك القرينة ، ونحتمل أن لا يعوّل عليه ، فهذا المورد وإن كان رافعا للظهور إلّا أنّ المقام ليس من هذا القبيل ؛ لأنّا لا نحتمل أن يعوّل العرف على ذكر الاستثناء بعد الجملة المتكرّر فيها المحمول ويريد به الرجوع إلى الجميع (١).
وربّما يقال : إنّ الأمر دائر بين رفع اليد عن عموم العمومات السابقة وبين رفع اليد عن عموم المستثنى ، وذلك إنّ قولنا : «إلّا الفسّاق منهم» عامّ أيضا ، فإن أرجعناه إلى خصوص الأخيرة فقد رفعنا اليد عن عمومه ، وإن أرجعناه إلى الجميع فقد رفعنا اليد عن عموم العامّ السابق في صدر الكلام.
ولا يخفى ما في هذا الكلام ، فإنّ الفسّاق عمومه وخصوصه بحسب الحكم الذي يتوجّه إليه وهو الحكم الأخير في مثل قولنا : أكرم العلماء وأضف الادباء إلّا الفسّاق ، فعموم الفسّاق بلحاظ حكمه فإذا ورد «لا تضف زيدا الأديب» كان مخصّصا له ، وحينئذ فهو ضيق بحسب الحكم المتوجّه إليه ولا عموم له بلحاظ جميع الأحكام حتّى أنّ إرجاعه إلى خصوص الأخيرة تخصيص له بل هو ضيق من ذاته بحسب الفهم العرفي.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٧٥ ـ ٣٧٧.