الجميع ، ووجه ذلك الظهور العرفي ، فإنّ الظاهر أنّ المتكلّم إنّما يريد أن يذكر حكما واحدا بوجوب مجموع هذه الامور الثلاثة من الإكرام والضيافة والسلام ، وحيث لا جامع لهذه الامور في اللغة فهو من باب قصور التعبير ذكرها متعاطفة ، وإلّا فلو كان ثمّة جامع بينها لذكره واستغنى عنها ، فكأنّه ليس في الكلام إلّا حكم واحد ليس إلّا ، وحينئذ فالاستثناء راجع إلى الموضوع الواحد المحكوم عليه بالحكم الواحد الذي من جهة قصور اللفظ ذكر فيه هذه الامور الثلاثة.
وإذا كرّر الموضوع كما إذا قيل : أكرم العلماء وأضفهم وسلّم عليهم وقلّد العلماء إلّا الفسّاق ، فلا بدّ من رجوع الاستثناء إلى الحكم الذي كرّر فيه الموضوع وما بعده من الأحكام إن كان ثمّ حكم آخر ، والوجه في ذلك أنّ تكرار الموضوع مع التمكّن من الإتيان به ضميرا لا بدّ أن يكون من جهة نكتة ، وهي فصل هذا الموضوع عمّا قبله من جهة هذا الحكم الخاصّ ؛ إذ لو لم يرد الفصل لذكره ضميرا ليتّحد السياق ، فالعدول تغيير للسياق وهو لنكتة وليست إلّا الفصل. والآية المباركة من هذا القبيل ؛ لأنّه كرّر الموضوع بقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) فظهوره في اختصاص الاستثناء بخصوص الحكم بالفسق دون ما قبله فافهم. وهذا الكلام دعوى ظهور للجملة في ذلك. ولو تنزّلنا عن دعوى الظهور فلا أقلّ من إجماله فيرجع إلى أصالة العموم. هذا كلّه حيث يكون الموضوع واحدا والمحمول متعدّدا.
ولو انعكس الأمر ـ بأن كان الموضوع متعدّدا والمحمول واحدا ـ فعين الكلام المتقدّم : من أنّ المحمول الواحد :
تارة لا يتكرّر مثل قولنا : «أكرم العلماء والادباء والشعراء إلّا الفسّاق منهم» فهو راجع إلى الجميع ؛ لأنّه بمنزلة قوله : أكرم هذه الطوائف الثلاثة إلّا الفسّاق منهم ، ولا ريب في رجوعه إلى الجميع حينئذ.