عرض الجدار (١) فهي شاملة للمخالفة بنحو العموم والخصوص المطلق. ودعوى : عدم كونها مخالفة ، فاسدة.
والجواب : أنّ المخالفة بنحو العموم والخصوص ليست مرادة منها ، للقطع بصدور خبر واحد مخالف. والالتزام بكون ذلك المقطوع مخصّصا لهذه العمومات كما ترى ، فإنّ لسانها آب عن التخصيص قطعا ، كما هو واضح لذي الذوق السليم. ويؤيّد ما ذكرنا أنّ موافقة الكتاب جعلت مرجّحة عند تعارض الأخبار في الرتبة الثالثة فقدّم أوّلا ما يقوله أعدلهما ثمّ المشهور ثمّ موافقة الكتاب (٢) ، فهو يعطي أنّ المشهور وكذا قول الأعدل يقدّم وإن كان مخالفا كما هو واضح ، فهذا يعطي أنّ المخالفة لا تضرّ.
المانع الثالث من حجّية خبر الواحد المخصّص للكتاب : أنّه لو جاز تخصيص الكتاب بخبر الواحد لجاز النسخ ؛ لأنّه تخصيص في الأزمان فهو نوع من أنواع التخصيص ، والتالي باطل إجماعا فالمقدّم مثله.
والجواب : أنّ الملازمة إن كانت في إمكان التعبّد بخبر الواحد الناسخ فمسلّمة ، فلو قامت الأدلّة على جواز نسخ الكتاب بالخبر الواحد لالتزمنا به. وإن كانت الملازمة المدّعاة في الوقوع فقط فهي ممنوعة ، فإنّ الإجماع من كافّة المسلمين قائم على أنّ نسخ الكتاب لم يقع ، والسرّ في عدم وقوعه بخبر الواحد أنّ النسخ بعد النبيّ لم يتحقّق قطعا وإن أمكن إلّا أنّه لم يقع ، وفي زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله لو كان الكتاب قد نسخ بقول رسول الله صلىاللهعليهوآله لنقل متواترا. فنقله بخبر الواحد قرينة كذبه ؛ إذ الدواعي حينئذ متوفّرة لنقله ، لعدم تحقّق الاختلاف والافتراق إلّا بعده صلىاللهعليهوآله.
__________________
(١) تهذيب الأحكام ٧ : ٢٧٥ ، ذيل الحديث ١١٦٩.
(٢) الوسائل ١٨ : ٧٥ ـ ٧٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل ، المعروف بمقبولة عمر بن حنظلة.