يتحقّق حينئذ شكّ في كون المراد منه الخصوص. وبعبارة اخرى أنّ الشكّ في التخصيص مستند إلى الشكّ في صدور الخاصّ وعدمه ، فإذا تعبّدنا الشارع بصدور الخاصّ فلا شكّ حينئذ في تخصيص العموم ، فالتعبّد بالصدور حاكم على العموم ورافع للشكّ في التخصيص ، وهذا بخلاف ما إذا قدّمنا العموم فهو بالملازمة ينفي الصدور لا بالحكومة.
وبالجملة : يكون المقام من قبيل العامّ والخاصّ القطعيّين ، فإنّ الخاصّ قرينة على عدم العموم ، فهو مقدّم عليه تقدّم القرينة على ذيها.
وربّما يقال : إنّ الخبر الواحد لا بدّ أن يكون حجّة ومخصّصا للكتاب وإلّا للغت أدلّة حجّية أخبار الآحاد ؛ ضرورة ندرة خبر لم يكن مخالفا لعامّ كتابي. وحينئذ فلو قلنا بعدم الحجّية فيه لكانت أدلّة الحجيّة محمولة على الموارد النادرة.
أقول : لا يخفى أنّ هذه الدعوى لا يمكن المساعدة عليها ؛ إذ ليس في الكتاب عموم يستفاد منه حلّية جميع الأشياء لتكون الأخبار المبيّنة لحرمة جملة ممّا لم يذكر في الكتاب مخصّصة له ، وكذا ليس في الكتاب دليل عامّ يدلّ على طهارة الأشياء ليكون الخبر الواحد الدالّ على نجاسة البول أو غيره مخصّصا ، وكذا أدلّة أجزاء العبادات أو شرائطها فلا إطلاق لينفي الجزئيّة أو الشرطيّة ؛ لأنّها مجملة في مقام التشريع فلا إطلاق فيها ، وكذا أحكام الأموات مثلا وغيرها من أبواب الفقه.
الثاني ممّا ذكر مانعا عن حجّية خبر الواحد : الأخبار المتواترة معنى مثل قولهم عليهمالسلام : ما خالف قول ربّنا زخرف (١) أو باطل (٢) أو لم نقله (٣) أو اضرب به
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٧٨ ـ ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٢ و ١٤.
(٢) البحار ٢٢ : ٤٨٧ ، ذيل الحديث ٣١.
(٣) الوسائل ١٨ : ٧٩ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٥.