القضيّة إلى خارجيّة وحقيقيّة ، والحقيقيّة إلى مؤقّتة مثل وجوب الصلاة والصيام ، ومطلقة وهي مثل حرمة الخمر والغيبة ، وقد زعم قدسسره أنّ النسخ بمعنى انتهاء أمد الحكم ممكن في القضايا الحقيقيّة المجعولة على الأفراد المقدّر وجودها ؛ لأنّها لا تحتاج إلى أكثر من فرض وجود الموضوع فقط ، فيصحّ الجعل إذا فرض وجود الموضوع وإن لم يتحقّق. وقد ذكر أنّ جعل الحكم مع العلم بانتفاء موضوعه وشرطه أيضا ممكن ، وقد ذكرنا في ذلك المبحث أنّ جعل الحكم مع العلم بانتفاء موضوعه وشرطه إذا كان الانتفاء مستندا إلى ذلك الجعل فهو ممكن ، بل هو مؤدّى الحكمة كما في مثل القصاص ، فإنّ جعل القصاص يصحّ وإن لم يوجد قاتل في العالم كلّه ولن يوجد إذا كان عدم تحقّقه مستندا إلى قوله : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)(١) فإنّ هذا الجعل أثمر هذه الثمرة المهمّة ، وهذا لا يفرق فيه بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة.
وأمّا إذا لم يعلم بتحقّق الموضوع لا من جهة هذا الجعل فلا يصحّ الجعل كأن يقول : «من صعد إلى السماء الرابعة لا يجب عليه الصلاة ، أو يجب عليه التصدّق» فإنّ مثل هذا الجعل لا يصدر من الحكيم ، بل يحكم على من جعله بالجنون ، وكذا الكلام في المقام فإنّ جعل الحكم ـ ولو بنحو القضيّة الحقيقيّة ـ إذا كان ينسخ قبل حضور وقت العمل فأيّ فائدة في هذا الجعل من الحكيم؟ فالإنصاف أنّ الحقّ مع المشهور القائلين باستحالة النسخ وبالتعيّن للتخصيص ، فافهم.
وأمّا الصورة الثانية : وهي صورة ما إذا ورد الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ بالنسبة إلى مورد الخاصّ فمقتضى ما ذكروا من استحالة تأخير البيان عن وقت الحاجة تعيّن النسخ حينئذ.
وحيث إنّ الخصوصات الواردة في شريعتنا المقدّسة قد صدرت في أيّام الصادقين عليهماالسلام وبينها وبين عمومات الكتاب والسنّة زمان ليس بالقليل فقد يكون
__________________
(١) المائدة : ٤٥.