يرفع قبحه ارتفع قبحه ، نظير الكذب القبيح في نفسه فإذا انضمّ إليه ما يرفع قبحه كإنجاء مؤمن أو دفع ضرر جاز وارتفع قبحه. وحينئذ فتأخير البيان عن وقت الحاجة وإن كان في نفسه قبيحا إلّا أنّ قبحه يرتفع بالمصالح المترتّبة عليه من تقيّة أو غيرها من المصالح أو يكون إظهار العموم بنفسه ذا مصلحة مثلا ، بل يظهر من بعض الأخبار أنّ بعض الأحكام لم تبلغ حتّى يظهر الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف فيظهرها (١).
وبالجملة ، فقد ظهر أنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس قبيحا مطلقا فنلتزم بالتخصيص وإن استلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ويكون التأخير لمصلحة ، مضافا إلى أنّ إيراد قبح تأخير البيان إنّما هو حيث يكون عموم سابق يقتضي الترخيص ثمّ خاصّ يقتضي التكليف والإلزام فيكون قد ترك ما فيه مصلحة ملزمة وهو الواجب ، وإلّا فلو عكس الأمر لكان فاعلا لجائز ولا قبح فيه أصلا.
وبالجملة ، فالالتزام بالتخصيص في المقام ممكن كما أنّ النسخ في نفسه أيضا ممكن ، ولكن لسان الدليل لا يساعد عليه ، فإنّ الخاصّ الوارد بعد حضور وقت العمل بالعامّ بالإضافة إلى الخاصّ ليس دالّا على أنّ الحكم من الآن على طبق الخاصّ ، وإنّما يبيّن أنّ الحكم من أوّل الأمر هو هكذا ، وحينئذ فظهوره في التخصيص مانع عن احتمال النسخ ، فافهم.
وأمّا الصورة الثالثة : وهي ما إذا تقدّم الخاصّ زمانا وتأخّر العامّ إلّا أنّه ورد قبل حضور وقت العمل بالخاصّ كأن ورد «لا تكرم زيدا العالم» ثمّ ورد «أكرم جميع العلماء» مع عدم حضور وقت العمل بالخاصّ فلا ريب في كونه مخصّصا ومبيّنا للمراد من العامّ بالإرادة الجدّية ، فإنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة إن كان مضرّا فتقديمه على وقت الحاجة ليس بمضرّ ، ولا يتصوّر النسخ في المقام لاستدعائه اللغو في جعل الحكم للخاصّ.
__________________
(١) راجع بحار الأنوار ٥٢ : ٣٠٩ ، الحديث ٢ و ٣٩ و ٧٣ و ٨٢ و ١١٤ و ١٦٢ وغيرها.