ولا يخفى أنّ هذا الكلام فيه ما فيه ، فإنّ متعلّق الحكم مثلا شامل للأفراد الدفعيّة قطعا لعدم تقييده ببعضها فكذا الأفراد التدريجيّة أيضا فإنّ استفادة استمرار الحكم من حيث الزمن ليس من نفس الحكم ، وإنّما هو من عدم تقييد متعلّقه بزمان ، فالإنصاف أنّ الإطلاق لا مانع منه ، ومقتضى ذلك تقدّم العموم ؛ لأنّ دلالته بالوضع على الإطلاق ؛ لأنّ دلالته بمقدّمات الحكمة المنتفية بوجود البيان وهو العموم ، إلّا أنّا مع ذلك كلّه نقول بتقدّم التخصيص على النسخ ؛ لأنّ لسان هذه الأدلّة مثل العموم في المقام ليس إثبات الحكم على طبقه من الآن حتّى يحتمل النسخ ، بل ظاهره أنّ هذا الحكم حكم الشريعة المقدّسة من أوّل الأمر تأخّر بيانه لمصلحة تقتضي ذلك.
وحينئذ فظاهر العموم أنّ الحكم بوجوب إكرام العلماء موجود من حين صدور «لا تكرم زيدا» بل قبلها وإنّما تأخّر تبليغه لمصلحة ، وحينئذ فلا بدّ من كون الخاصّ وإن تقدّم وتأخّر العامّ عن وقت العمل به مخصّصا للعامّ وتقديم البيان لا ضرر فيه كما تقدّم ، وحينئذ فيتعيّن للتخصيص (١) لكن لا من جهة تقدّم الإطلاق على العموم ، بل من جهة عدم الجريان لأصالة العموم لوجود المخصّص ، بل لو لم يكن ثمّة إطلاق أيضا وقلنا باستمرار الحكم من حيث استصحاب عدم النسخ المسلّم عند الاصوليّين والأخباريّين مع ذلك يتقدّم التخصيص ؛ لأنّ أصالة العموم غير جارية في نفسها لا من جهة تقدّم ما هو أظهر عليها.
وبالجملة : فقد ظهر أنّ الحكم هو التخصيص في الصور الأربع فلا مورد يحتمل فيه النسخ ليتكلّم في مجهولي التاريخ ؛ لأنّه لا يخرج عن هذه الصور ، وقد عرفت أنّ الحكم في جميعها هو التخصيص ولا مجال للنسخ أصلا ، والحمد لله ربّ العالمين.
__________________
(١) كذا في الأصل ، والصواب : التخصيص.