البداء محالا لما أمكن شيء من ذلك ؛ لأنّ ما جرى به قلم لا يتغيّر أصلا ، فهذا معناه نسبة العجز إلى الله أن يغيّر ما جرى به قلم التقدير ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا.
وبالجملة : ففي البداء بهذا المعنى إثبات إحاطة الله حدوثا وبقاء بجميع الممكنات فافهم وتأمّل ، كما أنّ إنكار هذا المعنى من العامّة العمياء نسبة للعجز إلى الله تعالى بقاء مع أنّ الأخبار عن أهل البيت عليهمالسلام قد تواتر به وليست تعبّدية ، بل هي تنبيه لمدركات العقل وتوجيه لما يدركه لو تأمّل وتفكّر كما في كثير من الروايات الواردة عنهم عليهمالسلام. والعامّة قد شنّعت على الشيعة وتمسخرت بهم واستهزأت من قولهم بالبداء بهذا المعنى مع أنّ رواياتهم بما ذكرنا عن النبيّ صلىاللهعليهوآله لو لم تكن بأكثر ممّا روته الخاصّة فلا أقلّ من المساواة ، كما يظهر ذلك ممّا رووه في تفسير آية (يَمْحُوا اللهُ ...)(١) إلى آخره ، من أنّ الله يمحو كلّ شيء ما عدا السعادة والشقاوة (٢) وبعضها خال عن هذا الاستثناء (٣) وقد ورد في دعاء عمر بن الخطاب ـ الذي لم يستجب ـ اللهمّ إن كنت كتبتني من السعداء فثبّتني ، وإن كنت كتبتني من الأشقياء فامحني واكتبني من السعداء (٤) إلى غير ذلك ممّا ورد في صحاحهم من تفسير تنزّل الملائكة والروح فيها وأنّهم ينزلون بكلّ شيء (٥) وأنّه قد يكون الشخص مكتوبا في الأشقياء فيدعو ليلة القدر فيمحى ويكتب في السعداء (٦) إلى غير ذلك من الأخبار المسطورة في كتبهم التي لا يسع المجال لذكرها. وهذه الأخبار مثبتة في صحاحهم
__________________
(١) الرعد : ٣٩.
(٢) جاء ذلك عن ابن عباس ومجاهد ، انظر التبيان ٦ : ٢٦٣ ، والدر المنثور ٤ : ٦٥.
(٣) انظر مجمع البيان ٣ : ٢٩٨ ، والدر المنثور ٤ : ٦٦.
(٤) انظر المصادر المتقدّمة وفيها نقل هذه الدعاء عن ابن مسعود.
(٥) لم نعثر عليه بعينه في تلك الصحاح ولكن ورد مثله في اصول الكافي ١ : ٢٤٩ ، الحديث ٥.
(٦) انظر الدر المنثور ٤ : ٦٦.