المخالفة أحيانا على حدّ لا تزول به الملكة بل ينقضها زوال نفسها.
فالاختلاف في القولين من وجهين.
وهل الترجيح للأوّل أو الثاني؟
مقتضى عدّها في فنّ الأخلاق من الصفات والملكات ـ بل عرفوها فيه بما يناسب الملكة المذكورة كقولهم إنّها ملكة لزوم الاقتصاد في كلّ شيء من الأعمال والصفات من غير ميل إلى طرفي الإفراط والتفريط ، أو هي ملكة يقتدر بها العقل العمليّ على ضبط جميع القوى تحت إشارة العقل النظريّ ـ كونها الأوّل ، إلّا أنّ الملكة ـ كما عرفت ـ لا ينافيها التخلّف مرّة في العمل أو مرّتين ، ولا تزول به ، وهو مناف للعدالة المعتبرة في الشرع إجماعا ، وجعل عدم التخلّف شرطا زائدا عن نفس العدالة ينافيه ظاهر كلماتهم بل صريحها ، من سقوط العدالة بفعل الكبيرة إلى أن يحصل العلم بعودها بالتوبة. وهذا يقوى كون الثاني عدالة ، مع أنّه أيضا يرجع إلى صفة راسخة نفسانية هي منشأ ظهور الآثار في الجوارح ـ كما سمعت ـ مع أنّه يستبعد في العقول إسقاط من تحمل نفسه على ترك محارم الله تعالى بالجهد والمشقّة طول السنة خوفا من الله سبحانه بحيث لا يبادر إليها ، عن حكم العدالة ، وجعله من عداد الفسّاق ، مع أن مثله قد يعدّ أعلى مرتبة وأكثر ثوابا وأعظم درجة من ذي الملكة المذكورة ، على أنّ الأخبار الواردة في الباب مفسّرة بها بنفس الأفعال والتروك ، ككلمات أكثر القدماء.
وقول الصادق عليهالسلام في صحيح عبد الله بن أبي يعفور ، في جواب قول السائل : بم يعرف عدالة الرجل؟ : « أن تعرفوه بالستر والعفات وكفّ البطن والفرج واليد واللسان » (١) وقوله : « يعرف باجتناب الكبائر » (٢) لا ينافي كون حقيقة العدالة نفس
__________________
(١) بحار الأنوار ٨٨ : ٣٧ ، الباب ٢ ، الحديث ١.
(٢) نفس المصدر.