أقول : إمكان العزم وصحّة التكليف به لا يرفع المحذور ، فإنّ المعترض مستظهر بعدم وقوعه غالبا ، والمحذور ناش عن عدم الوقوع في الغالب ، لا عن عدم التكليف به ، إلّا أن يمنع غلبة عدم وقوع العزم على الترك ، وإن لم ينفكّ الإنسان غالبا عن الصغائر ، فإنّ حالة حصول العزم المصحّح للتكليف بالتوبة ممكن الوقوع للإنسان كثيرا ، وإن كان النقض له متكثر الوقوع أيضا.
كيف وإلّا لم يقع التكليف بترك الصغائر ، وبطلانه ظاهر.
وكيف كان ، فالاستدلال المذكور لا يخلو عن تأييد واعتضاد للأوّلين من وجوه :
منها : الأصل والاستصحاب.
وفيه الخروج عنهما بما مرّ من الدليل ، مع أنّ في جريان الأصل مطلقا ، تأمّل.
ومنها : فحوى ما دلّ على اشتراط المروّة التي لا إثم فيها.
وفيه منع الأولوية ، لعدم العلم بالعلّة.
ومنها : أنّ فعل المعصية خروج عن طاعة الله سبحانه ، وهو فسق ، كما في مجمع البيان (١) وكنز العرفان (٢) والقاموس (٣) ، والفاسق يضادّ العادل ، للاتفاق على عدم صدقه على من صدق عليه العادل.
وفيه منع كون الفسق مطلق الخروج عن الطاعة ، واحتمال إرادة من ذكر [ ه ] الخروج المطلق ، لا مطلق الخروج ، بل لعلّه الظاهر ، لظهور العبارة المطلقة في الاستمرار ، كما أشرنا إليه في نحو الستر والاجتناب ، مع أنّ التعويل في المقام على ظاهر كلام من ذكر ، مع معارضته بتخصيص غيره الفسق بفعل معصية مخصوصة
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ٣١.
(٢) كنز العرفان ٢ : ٣٨٤.
(٣) القاموس المحيط ٣ : ٣٩٩.