والمساجد والمنابر.
وكيف كان ، لا يحصل ـ بملاحظة جميع ما ذكر ـ العلم بالاتّفاق على حرمته في مثل المراثي والفضائل وغيرهما ، إلّا إذا بلغ حدّا خرج عن هذا العنوان ، وصدق عليه اللهو المستعمل عند أهل الفسوق والطرب.
ومنه يعلم حال المنقول من الإجماع ، على تسليم حجيته أيضا ، مع أنّ نقله غير معلوم ، وعلى ثبوته فمع ما عرفت من وقوع الإجمال والخلاف في معنى الغناء ، لا يعلم مراد القائل الناقل منه ، بحيث يشمل جميع موارد الكلام. وأما الآية الأولى ، فمع تعارض الأخبار المفسّرة لها بالغناء ، مع ما روي في مجمع البيان (١) ، عن الصادق عليهالسلام : إنّ لهو الحديث في الآية : الطعن بالحقّ ، والاستهزاء به بقوله تعالى : ( لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً ) (٢) يدلّ على كون الفعل بقصد الإضلال والاتخاذ هزوا ، فلا يدلّ على حرمة ما يتّخذ لترقيق القلب ، لتذكر الجنة ، وتهييج الشوق إلى العالم الأعلى ، وتأثير الدعاء والقرآن والمناجاة في القلوب.
ولا ينافيه التفسير بالغناء ـ مطلقا ـ في الأخبار المتقدّمة ، لأنّه إمّا تفسير للمقيّد ، فلا ينافيه التقييد في الحكم أو للمجموع ، فالتقييد إمّا مأخوذ في أصل المعنى ، فيكون مطلق الغناء ما استعمل في مقام اللهو ، كما عسى يلوح من بعض الأقوال أو في المعنى المراد في الآية ، فيكون مأخوذا في الغناء المحرّم ، ويكون التفسير مخصوصا به.
مضافا إلى أنّ لهو الحديث لا يصدق لغة وعرفا على التغنّي بالقرآن والدعاء ومراثي سيّد الشهداء عليهالسلام وأمثالها ، إذا اتّخذ للتشويق إلى الله سبحانه ، والترغيب
__________________
(١) مجمع البيان ٤ : ١٦٢.
(٢) لقمان (٣١) : ٦.