سيما بملاحظة ما ورد من استحباب الترجيع بالقرآن ، بل يدلّ عليه الأمر بالقراءة بألحان العرب ، فإنّ اللحن كما في اللغة هو التطريب والترجيع والغناء. قال في النهاية الأثيرية : اللحون والألحان جمع اللحن ، وهو التطريب وترجيع الصوت ، وتحسين القراءة والشعر ، والغناء (١).
وقال في الصحاح : ومنه الحديث « اقرءوا القرآن بلحون العرب » ، وقد لحن في القراءة ، إذا طرب وغرّد. وهو ألحن الناس ، إذا كان أحسنهم قراءة وغناء (٢).
وفيه : الغرد بالتحريك ، التطريب في الصوت والغناء (٣).
فالنهي في الرواية عن لحون أهل الفسق ، وذمّ أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والرهبانية ، تحذير عن الغناء المتداول بين أهل الطرب والفسق لا مطلقة. فالرواية أشبه بخلاف المدّعى.
فتبيّن من جميع ما ذكرناه ، أنّ القدر الثابت من تلك الأدلّة حرمة الغناء في الجملة ، وأنّه لو سلّم إطلاق بعضها ، فشيوع استعمال الغناء في الأخبار ، فيما يستعمله الفسّاق في أزمنتهم في الملاهي والتغنّي بالباطل في مجالس الفجور ، كما نبّهنا عليه ، وقال في الكفاية (٤) والمفاتيح ويشعر به بعض الصحاح ، حسب ما أشرنا إليه ، وأمثال ذلك مما يمنع التمسّك بإطلاقه.
وإنّها لو لم يكن قرينة لحمل الغناء ، ـ حيث يستعمل مطلقا ـ على المستعمل في الملاهي ، فهي مانعة لا محالة عن جريان أصل الحقيقة في الإطلاق.
__________________
(١) النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٠٢.
(٢) صحاح اللغة ٦ : ٢١٩٣.
(٣) صحاح اللغة ٢ : ٣١٦.
(٤) كفاية الأحكام : ٨٦.