وقد يطلق الحقّ على غير ذلك ـ أيضا ـ مما يؤول إلى هذا المعنى ، كحق المؤمن وحق الجار ، من التعظيم والإحسان والإجابة والإعانة.
وحيث إنّ مورد الصلح ـ كما أشرنا إليه ـ يختصّ بما يصلح للإسقاط أو النقل باختيار العبد ، بل لا معنى للصلح في غيره ، والقدر الثابت من الإجماع وغيره ، إنّ القابل لهما ما كان من الأوّلين ، أي الحقوق المالية دون غيرهما ، بل صرّح جمع من الفقهاء في وجه صحة صلح حق الشفعة بأنه من الحقوق المالية ، فيصحّ الصلح عنه وظاهر كلامهم هذا عدم صحّته في الحقوق الغير المالية. ودليل الصلح مع ما فيه من الاستثناء بقوله : « إلّا ما أحلّ حراما أو حرّم حلالا » غير معلوم الشمول ولا مظنونه لأمثال ذلك التي متعلّق الصلح فيها حقيقة الحكم الشرعي ، بل الثابت من مدلوله ، صحّته فيما ثبت من الشرع صلاحيته للنقل والإسقاط ، بأن كان للمكلّف الخيرة فيهما ، لا من قبيل الأحكام الستّة الوضعية والولايات القهرية الشرعية ، فيصطلحا على عدمها. ولذا لا يصحّ صلح الوصيّ عن وصايته ، والوليّ عن ولايته ، بل لا يجوز صلح المؤمن أو الجار عن حقوقهما الثابتة لهما في الشرع ، من الإحسان والتكريم والمواساة وحسن المعاشرة.
وبالجملة : كلما يطلق عليه لفظ الحقّ ، أو أمكن التعبير عنه به ، كحقّ الصلاة في المسجد والجلوس في الأرض المباحة وأمثال ذلك من وجوه الانتفاعات ، لا يلازم صحّة الصلح عنه ، بل يجب أن يكون متعلّقة ممّا يثبت من الشرع قابليته للنقل أو الإسقاط. وعموم « كلّ صلح جائز » ، لا يدلّ على صلاحية مورد الشك لهما ، كما لا يدلّ عموم ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) على قابلية العين للتملك والتمليك ، مما يشكّ فيه ذلك. ولو أبيت عن ذلك ، فالاستثناء المتعقّب له دلّ على عدم صلاحية ما يثبت له حكم شرعيّ ـ ولو بعموم أو إطلاق لفظيّ ـ لتغييره بنقل أو إسقاط بالصلح ، فاللازم