وتوضيح ذلك : أنّ الواجب قسمان : ما لا يشترط فيه نية القربة ولا المباشرة ، بل المقصود منه التوصّل إلى غيره ، كردّ الوديعة ، وإنقاذ الغريق ، ومقدمات الواجب النقلية ، ونحوها. وما يشترط فيه القربة ، وهو العبادة.
أمّا الأوّل : فلا يخرج عن صدق الضرر عرفا. فينفيه القاعدة إذا كان متضمّنا للضرر ، إذ ليس له بما هو واجب عوض مقدّر وأجر مقرّر ، إذ الثواب فيه في مقابل القربة ، وهي غير واجبة على الفرض ، ووجوبه لأمر غير الثواب الأخرويّ ، وإلّا لم يحصل الغرض بأيّ وجه حصل ، مع أنّه يحصل به ، فليس تشريعه بما هو واجب معوّضا بأجر أخرويّ ، فيكون حكما ضرريا ينفيه القاعدة ، مثلا : مقدّمة الواجب ، من حيث كونها واجبة ليس في مقابلها نفع أخرويّ ، بل وجوبها للتوصّل إلى ذيها ، ولذا يحصل بدون القربة. وكذا ردّ الوديعة وإنقاذ الغريق ، حيث إنّ المقصود من وجوبها وصول الوديعة إلى المالك ونجاة الغريق ، فلا يعصى بفعلهما على غير جهة القربة ، وإن لم يكن له أجر أخرويّ. فهما بما هما واجبان ، ليس في مقابلهما نفع أخرويّ.
فإن قلت : تركه حرام يوجب العذاب ، ودفع العذاب ـ أيضا ـ منفعة يقابل الضرر ، كجلب النفع ، فيخرج الموضوع عن صدق الضرر.
قلت : حرمة الترك فرع وجوب الفعل ، وحيث إنّه منفيّ ، لكونه حكما ضرريا ليس في مقابله ثواب ، كما عرفت ـ فلا عذاب على تركه.
والحاصل : أنّ الواجبات التي لا يشترط فيها القربة يسقط وجوبها إذا تضمّنت الضرر ، كمقدمة الواجب ونحوها ، ولازمه سقوط وجوب ذي المقدمة أيضا ، إذا انحصرت مقدّميته في الضرريه ، لاستلزام جواز تركها جواز تركه ، وإلّا لما استلزم وجوبه وجوبها.