نعم ، لو أتى بها المكلّف إقداما على ضرر نفسه ، ولو محرما ، تعلق الوجوب بذي المقدمة ، لعدم توقفه ـ حينئذ ـ عليها.
فإن قلت : المقدّمة وسيلة إلى ذيها ، وهي إلى النفع الأخروي ، فهي موصلة إليه ، ولو بالواسطة. قلت : المقدمة موصلة إلى التمكن من ذيها ، لا إلى نفس فعله ، والثواب للفعل لا للتمكن عنه ، ومجرد التمكن ليس نفعا مانعا عن صدق الضرر ، وتحمل العقلاء مثله في معاشراتهم ، كضرر المسافرة للتمكن من التجارة ، إنّما يخرج به من موضوع الضرر إذا قصد بها التجارة وفعلها ، وما نحن فيه ليس كذلك ، لعدم اشتراط قصد الواجب من المقدّمة ، ولا فعلية الواجب بعد الوصول اليه في وجوبها ، فليس لها ثواب مقرّر إلّا بنيّة القربة ، وهي بهذا الوجه ليست بواجبة ، بل حكمها حكم سائر المستحبات الضررية التي لا تقتضي نفيها قاعدة الضرر ، كما سنشير إليه.
وأمّا الثاني : أي : العبادة الواجبة الضررية ، المشروطة بالقربة ، فلاستتباع فعله الثواب يخرج عن موضوع الضرر ، وإن تضمّن الضرر الدنيويّ ، والله سبحانه رضي به لعباده ، لما في مقابله من المثوبات ، فلا يكون وجوبه حكما ضرريا كما عرفت ، بل لله المنّة عليهم ، بما أعدّ لهم مما تقرّ به أعينهم من النعيم الباقي.
نعم ، إذا اقترنه أمر يتضرر به ، من وصف أو حال خارج عن ماهيّة العبادة الواجبة وأوصافها اللازمة ، كمرض أو مشقّة شديدة ، عرضية أو نفسية ، صحّ الاستدلال بقاعدة الضرر على سقوط أصل الواجب المقترن بتلك الحالة ، التي ليس في مقابلها ثواب مقرّر ، لأنّ وجوب العبادة بعين ما تقدّم في المقدّمة التوصّلية الضررية ، وترتّب الثواب على تحمل هذا الضرر ، زائدا على ثواب أصل العبادة ، إنما هو على تقدير قصد القربة به ، وهو غير واجب ، وإنما الواجب قصدها في نفس العبادة بما