فإن قلت : اشتغال ذمّة الثاني بالبدل المعلوم أوّلا ، إنّما هو للمالك ، وهو فرع بقاء حقّه ، وقد ارتفع باستيفائه من الأوّل ، فلا يجري الاستصحاب ، لتغير موضوعه.
قلت : من له الحق أوّلا على الثاني مردّد بين كونه المالك خاصة ، أو هو ومن في حكمه ، أعني : الأوّل ، عند أدائه للمالك ، فالشغل المعلوم أوّلا مجمل بين أحد الاحتمالين ، فهو من قبيل ما إذا تردّد صاحب الحق على زيد بين كونه عمروا مطلقا ، أو بكرا مع فقدانه ، فلا يحصل يقين الفراغ له بسقوط حق أحدهما.
فإن قلت : يعارض هذا الاستصحاب ، استصحاب عدم اشتغال ذمّته للأوّل قبل رجوع المالك إليه.
قلت : التعارض بينهما بالمزيلية والسببية ، والمزالية والكاشفية ، فإنّ بقاء الشغل المعلوم مجملا للثاني ، سبب لتعلّق وجوب الأداء عليه على الأوّل ، عند استيفاء المالك منه ، وانتقال الحقّ المشتغل به له ، ولا هكذا عدم شغل الأوّل قبل استيفاء المالك ، فإنّه ليس سببا لزوال الشغل المعلوم الإجمالي ، بل كاشف عنه.
واستصحاب السبب مقدم على استصحاب الكاشف ، كما حققناه في محلّه. ولا يمكن إجراء هذا الاستصحاب في حق الأوّل الذي لم يتلف العين عنده ، لعدم العلم باشتغال ذمّته بالبدل عند تلفها عند الثاني. غاية الأمر كونه مخاطبا بالخطاب الشرعي ، متعبّدا بالأداء إلى المالك عند مطالبته عوض العين ، بإثبات يده عليه ، فلا يمكن استصحاب الشغل المجمل في حقّه ، بخلاف الثاني المعلوم على كل تقدير اشتغال ذمّته بالبدل بعينه أو بالبدلية.
ومن هذا ثبت جواز رجوع الأوّل على الثاني فيما اغترم ، في صورتي : جهل الأوّل وعلم الثاني ، وعلمهما. وأما في صورة علم الأوّل وجهل الثاني : فمقتضى نفي الضرر عنه ، لتغريره العالم في إثبات اليد جواز رجوعه فيما اغترم على الأوّل العالم.
وبه ينتقض استصحاب الاشتغال في الثاني.