الثاني : أن لا يعارض اليد دليل كاشف عن الواقع ، فيقدم الدليل ، لما علمت في المشرق السابق : أنّ الأصول العملية والاجتهادية ، بل مطلق الأحكام ، بعضها وارد على بعض ، ويقدّم الوارد على المورود ، بل لا تعارض بينهما حقيقة ، وأنّ الورود بأحد الوجهين : إمّا بكون موضوع أحدهما مرتفعا بوجود الآخر ، كإباحة ما لا يعلم حرمته عند ظهور دليل حرمته الواقعية ، أو بجعل الشارع أحدهما سببا رافعا للآخر ، كزوال حلية العصير بالغليان ، ثم زوال حرمته بعده بنقصان الثلثين.
وأشرنا ثمة إلى أنّ البيّنة والإقرار ونحوهما كذلك بالنسبة إلى اليد ، فيرتفع حكمها بوجود الرافع ، كما أنّ اليد واردة على الاستصحاب ، كما ستعلم.
الثالث : أن لا يعارض اليد استصحاب ما يزيل حكم اليد ورافعه.
بيان ذلك : أنّ تعارض اليد والاستصحاب يقع على وجوه :
منها : أن يكون مقتضى الاستصحاب عدم الملكية ، ولكن لم يكن في مقابل ذي اليد مدّع يدّعي خلافه ، كما إذا ادّعى صاحب اليد اشتراءه أو استيجاره من مالكه ولم يكن هناك من يدعيه ، فليس لأحد أن يزاحمه ، ولا يجوز أخذه منه ، وله التصرف فيه كيف يشاء ، لصدق اليد عليه ، وشمول الأخبار له.
ومنها : أن يدّعي الاستيجار أو الانتقال ، وفي مقابله المدّعي ينكره. والظاهر : أنه لا خلاف ـ حينئذ ـ في تقديم قول المدّعي واستصحاب عدم الانتقال وعدم اعتبار اليد ، لأنه يدّعي اليد المقيده بالاستيجار أو الابتياع وهو في دعوى القيد مدّع يطالب بالبيّنة ، والاستصحاب يقتضي عدمه.
فإن قلت : اقتضاء اليد للاستحقاق ليس لقيدها المختلف فيه المطالب بالثبوت ، بل لمجرد نفسها ، أعني : الاستيلاء ، والاستصحاب لا يقاوم اليقين الشرعي الذي هو مقتضى اليد.