الحسين عليهالسلام فقال له : والله ، إنّي لأنظر فما أرى معك أحداً ، ولو لم يقاتلك إلاّ هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفي بهم ، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه ، فسألت عنهم فقيل : اجتمعوا ليُعْرَضوا ثمّ يُسْرَحون إلى الحسين.
فأنشدك الله إن قدرت على ألاّ تقدم عليهم شبراً إلاّ فعلت ، فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتّى ترى من رأيك ، ويستبين لك ما أنت صانع فسر حتّى اُنزلك مناع جبلنا الذي يُدعى أَجَأ ، امتنعنا والله به من ملوك غسّان وحمير ، ومن النعمان بن المنذر ، ومن الأسود والأحمر. والله إن دخل علينا ذلّ قط فأسير معك حتّى أنزلك القُرَيَّةَ ، ثمّ نبعث إلى الرجال ممّن بأجأ (١) وسلمى من طيء ، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتّى تأتيك طيء رجالاً وركباناً ، ثمّ أقم فينا ما بدا لك ؛ فإن هاجك هَيْج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم ، والله لا يصلوا إليك أبداً وفيهم عين تَطْرِف.
فقال له : «جزاك الله وقومك خيراً ، إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ، ولا ندري علامَ تنصرف بنا وبهم الاُمور في عاقبة».
قال أبو مخنف : ومضى الحسين عليهالسلام حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به.
قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب ، عن عقبة بن سمعان قال : لمّا كان في آخر الليل أمر الحسين عليهالسلام بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ، ففعلنا. قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خَفَق الحسين عليهالسلام برأسه خفْقَة ثمّ انتبه وهو يقول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين». قال : ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً.
فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين عليهالسلام على فرس له فقال : يا أبت جعلت فداك ، ممَّ حمدت الله واسترجعت؟!
__________________
(١) ممّن بأجأ : أي ممّن هم في طريقة واحدة ونهج واحد.