قال : «يا بني ، إنّي خفقت برأسي خفقة فعنَّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا».
قال له : يا أبت ، لا أراك الله سوءاً ، ألسنا على الحقّ؟
قال : «بلى والذي إليه مرجع العباد».
قال : يا أبت ، إذاً لا نبالي نموت محقّين.
فقال له : «جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده».
قال أبو مخنف : فلمّا انتهوا إلى نينوى (المكان الذي نزل به الحسين عليهالسلام) قال : فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح ، متنكب قوساً مقبل من الكوفة ، فدفع إلى الحرّ كتاباً من عبيد الله بن زياد ، فإذا فيه : أمّا بعد ، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ، ويقدم عليك رسولي ، فلا تنزله إلاّ بالعَراء في غير حُصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام.
فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحرّ : هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره ألاّ يفارقني حتّى أنفذ رأيه وأمره.
وأخذ الحرّ بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية ، فقالوا : دعنا ننزل في هذه القرية (يعنون نِينَوى) (١) ، أو هذه القرية (يعنون الغاضرية) ، أو هذه الأخرى (يعنون شُفَيَّة).
فقال : لا والله ، ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بُعث إلي عيناً. فقال له زهير بن القين : يابن رسول الله ، إنّ قتال هؤلاء أهون من قتال مَنْ يأتينا من بعدهم ، فلعمري! ليأتينا من بعد مَنْ ترى ما لا قبل لنا به.
__________________
(١) قال الحموي في معجم البلدان : نينوى بسواد الكوفة منها كربلاء التي قُتل بها الحسين عليهالسلام ، قال المؤلِّف : ورد اسم نينوى لمدينة في جنوب العراق في الكتابات المسمارية المكتشفة في وادي الرافدين قبل نينوى الموصل بقرون.