المؤمنين عهد إليّ إن حدث بي حدث الموت أن أستخلف عليكم حصين بن نمير السكوني ، والله ، لو كان الأمر إليّ ما فعلت ، ولكن أكره معصية أمر أمير المؤمنين عند الموت. ثمّ دعا به فقال : انظر يابن برذعة الحمار ، فاحفظ ما أوصيك به ؛ عمّ الأخبار ، ولا ترع سمعك قريشاً أبداً ، ولا تردّنّ أهل الشام عن عدوّهم ، ولا تقيمنّ إلاّ ثلاثاً حتّى تناجز ابن الزبير الفاسق. ثمّ قال :
«اللّهمّ إنّي لم أعمل عملاً قطّ بعد شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله أحبّ إليّ من قتلي أهل المدينة ، ولا أرجى عندي في الآخرة».
ولمّا مات خرج حصين بن نمير بالناس ، فقدم على ابن الزبير مكّة وقد بايعه أهلها وأهل الحجاز.
وفي فتوح ابن أعثم : أنّ مسلم بن عقبة قال في وصيته للحصين بن نمير : فانظر أن تفعل في أهل مكّة ، وفي عبد الله بن الزبير كما رأيتني فعلت بأهل المدينة. ثمّ جعل يقول :
«اللّهمّ إنّك تعلم أنّي لم أعص خليفة قطّ ، اللّهمّ إنّي لا أعمل عملاً أرجو به النجاة إلاّ ما فعلت بأهل المدينة».
ثمّ اشتدّ به الأمر فمات. فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه ، وبايع الناس للحصين بن نمير السكوني من بعده ، وسار القوم يريدون مكّة ، وخرج أهل ذلك المنزل فنبشوه من قبره وصلبوه على نخلة. وبلغ ذلك أهل العسكر ، فرجعوا إلى أهل ذلك المنزل ، فوضعوا السيف فيهم ، فقُتل منهم مَنْ قُتل وهرب الباقون ، ثمّ أنزلوه من النخلة فدفنوه ، ثمّ أجلسوا على قبره مَنْ يحفظه (١).
__________________
(١) فتوح ابن أعثم ٥ / ٣٠١.