هجرية) ، وكان بضمنهم عبيد الله بن أبي بكرة نفسه ، وكان معظم القتلى من أهل الكوفة.
وبعث الحجّاج بعد أن أخذ موافقة عبد الملك جيشاً آخر قوامه أربعين ألفاً ؛ عشرين ألف من الكوفة ، ومثلهم من البصرة بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، وقدم ابن الأشعث سجستان (أواخر عام ٧٩ هجرية) ، ونجح في فتح المدن التابعة لزونبيل ، وآثر ابن الأشعث الاكتفاء بذلك لسنته تلك ، وكتب إلى الحجّاج بذلك ، غير أنّ الحجاج لم يوافقه ، وبعث إليه بكتاب يسفِّه رأيه ويأمره بالتوغّل في أرض زونبيل ، وقرر ابن الأشعث عدم تنفيذ أمر الحجّاج ، واتهمه بالعمل على التغرير به كما غرّر بجيش عبيد الله بن أبي بكرة ، وانبرى عدد من الخطباء يذمّون الحجّاج ويتّهمونه بالعمل على هلاكهم.
قال أبو مخنف (١) : فحدّثني مطرِّف بن عامر بن واثلة الكناني أنّ أباه كان أوّل متكلّم يومئذ ، وكان شاعراً خطيباً ، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : أمّا بعد ، فإنّ الحجّاج والله ما يرى بكم إلاّ ما رأى القائل الأوّل ، إذ قال لأخيه : احمل عبدك على الفرس ؛ فإنّ هلك هلك ، وإن نجى فلك.
إنّ الحجاج والله ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلاداً كثيرة اللهوب واللصوب (٢) ، فإن ظفرتم فغنمتم كلّ البلاد وحاز المال ، وكان ذلك زيادة في سلطانه ، وإن ظفر عدوّكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء الذي لا يبالي عنتهم ، ولا يبقي عليهم. اخلعوا عدوّ الله الحجّاج وبايعوا عبد الرحمن ، فإنّي أُشهدكم أنّي أوّل خالع.
فنادى الناس من كلّ جانب : فعلنا فعلنا ، قد خلعنا عدوّ الله. فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه ، فقال : تبايعوني على خلع الحجّاج عدوّ الله ، وعلى النصرة لي وجهاده معي حتّى ينفيه الله من أرض العراق. فبايعه الناس.
ولمّا دخل الناس فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض وقالوا : إنّا إذا خلعنا
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ / ١٤٦.
(٢) اللهوب : الجبال الوعرة. واللصوب : المسالك الضيقة بين الجبال.