الثغور جبنتم ، وإن أمنتم رجعتم ، وإن خفتم نافقتم. هل استنبحكم نابح ، واستغواكم غاوٍ ، واستخفكم ناكث ، واستفزّكم عاص إلاّ بايعتموه وتابعتموه؟ وهل شغب شاغب ، ونعب ناعب ، وظهر كاذب إلاّ كنتم أشياعه وأنصاره؟ ثمّ يا أهل الشام ، أنا لكم كالظليم المحافظ على فراخه ، ينفي عنهنّ القذر ، ويباعد المدر ، ويحرسهنّ من الذباب. أنتم العُدَّة والجُنَّة إنّ حارب محارب ، وجانب مجانب (١).
وكتب : عبد الملك إلى الحجّاج : أن ادعُ الناس إلى البيعة ، فمَنْ أقرّ بالكفر فخلّ سبيله ، إلاّ رجلاً نصب راية أو شتم أمير المؤمنين (٢).
وأجلس مصقلة بن كرب بن رقبة العبدي إلى جنبه ، وكان خطيباً فقال : اشتم كلّ امرئ بما فيه ممّن كنّا أحسنّا إليه ، فاشتمه بقلّة شكره ، ولؤم عهده ، ومَنْ علمت منه عيباً فعبه بما فيه ، وصغِّر إليه نفسه ، وكان لا يبايعه أحد إلاّ قال له : أتشهد أنّك قد كفرت؟ فإذا قال : نعم ، بايعه وإلاّ قتله.
فجاء إليه رجل من خثعم (قد كان معتزلاً للناس جميعاً من وراء الفرات) ، فسأله عن حاله ، فقال : ما زلت معتزلاً وراء هذه النطفة ، منتظراً أمر الناس حتّى ظهرت فأتيتك لأبايعك مع الناس.
قال : أمتربّص؟ أتشهد أنّك كافر؟
قال : بئس الرجل أنا إن كنت عبدت الله ثمانين سنة ، ثمّ أشهد على نفسي بالكفر!
__________________
(١) أنساب الأشراف ٧ / ٣٤٥ ، شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ / ٣٤٤ ، والخطبة في البيان والتبيين ٢ / ١٣٨ ، العقد ٤ / ١١٥ ، نهاية الإرب ٧ / ٢٤٥.
(٢) تاريخ خليفة بن خياط العصفري / ٢١٧.