فلِمَ وبِمَ أيّها الناس؟! ألكم الفضل بالصحابة دون ذوي القرابة؟ الشركاء في النسب ، والورثة في السلب (١) مع ضربهم على الدين جاهلكم ، وإطعامهم في الجدب جائعكم. والله ، ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قط ، وما زلتم بعد نبيّه تختارون تيميّاً مرّة ، وعدويّاً مرّة ، واُمويّاً مرّة ، وأسديّاً مرّة ، وسفيانيّاً مرّة ، ومروانيّاً مرّة ، حتّى جاءكم مَنْ لا تعرفون اسمه ولا بيته ، يضربكم بسيفه ، فأعطيتموها عنوة وأنتم صاغرون. ألا إنّ آل محمد أئمّة الهدى ، ومنار سبيل التقى ، القادة الذادة السادة ، بنو عمّ رسول الله ، ومنزل جبريل بالتنزيل. كم قصم الله بهم من جبار طاغ ، وفاسق باغ. شيّد الله بهم الهدى ، وجلا بهم العمى ، لم يسمع بمثل العباس ، وكيف لا تخضع له الأمم لواجب حقّ الحرمة؟ أبو رسول الله بعد أبيه ، وإحدى يديه ، وجلدة بين عينيه. أمينه يوم العقبة ، وناصره بمكة ، ورسوله إلى أهلها ، وحاميه يوم حنين عند ملتقى الفئتين ، لا يخالف له رسماً ، ولا يعصي له حكماً ، إنّ في هذا أيّها الناس لعبرة لأولي الأبصار باستدراج الله إيّاهم آمنين مكره ، مطرحين صيانة الخلافة ، مستخفين بحقّ الرياسة ، ضعيفين عن رسوم السياسة ، فسلبهم الله العزّة ، وألبسهم الذلّة ، وأزال عنهم النعمة.
وقد جاءنا في بعض الروايات أنّ السفّاح لمّا أراد أن يقتل القوم الذين انضمّوا إليه من بني اُميّة جلس يوماً على سرير بهاشمية الكوفة (٢) ، وجاء بنو اُميّة وغيرهم من بني هاشم والقوّاد والكتّاب ، فأجلسهم في دار تتصل بداره ، وبينه وبينهم ستر مسدول ، ثمّ أخرج إليهم أبا الجهم بن عطية وبيده كتاب ملصق ، فنادى بحيث يسمعون : أين رسول الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام؟ فلم يتكلّم أحد. فدخل ثمّ خرج ثانية فنادى : أين رسول زيد بن علي بن الحسين؟ فلم يجبه أحد. فدخل ثمّ خرج ثالثة فنادى : أين رسول يحيى بن زيد بن علي؟ فلم يردّ أحد عليه. فدخل ثمّ خرج رابعة فنادى : أين رسول
__________________
(١) السلب : ما يسلب.
(٢) هاشمية الكوفة : مدينة بناها السفّاح.