يوماً أنا وجدّي ، وذلك المؤدّب يضربه ، فلمّا رآنا الغلام ، أقبل على مؤدّبه فضربه ، فنظر بعضنا إلى بعض ، وقلنا : ما له قاتله الله؟! حين رآنا كره أن نشمت به ، ثمّ التفت أيوب إلينا ، فقال : ألا أخبركم يا بني هاشم بأعقلكم وأعقلنا؟!
أعقلنا مَنْ نشأ منّا يبغضكم ، وأعقلكم مَنْ نشأ منكم يبغضنا ،
وعلامة ذلك أنّكم لم تسمّوا بمروان ، ولا الوليد ، ولا عبد الملك ،
ولم نسمِّ نحن بعلي ولا بحسن ولا بحسين (١).
خطب أبو مسلم بالمدينة في السنّة التي حجّ فيها في خلافة السفّاح ، فقال : الحمد لله الذي حمد نفسه ، واختار الإسلام ديناً لعباده ، ثمّ أوحى إلى محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله من ذلك ما أوحى ، واختاره من خلقه ، نفسه من أنفسهم ، وبيته من بيوتهم ، ثمّ أنزل عليه في كتابه الناطق الذي حفظه بعلمه ، وأشهد ملائكته على حقّه ، قوله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢) ، ثمّ جعل الحقّ بعد محمد صلىاللهعليهوآله في أهل بيته ، فصبر مَنْ صبر منهم بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله على اللأواء والشدّة ، وأغضى على الاستبداد والأثرة. ثمّ إنّ قوماً من أهل بيت الرسول صلىاللهعليهوآله ، جاهدوا على ملّة نبيّه وسنّته بعد عصر من الزمان مَنْ عمل بطاعة الشيطان وعداوة الرحمن ، بين ظهراني قوم آثروا العاجل على الآجل ، والفاني على الباقي ، إن رتق جور فتقوه ، أو فتق حقّ رتقوه ، أهل خمور وماخور (٣) ، وطنابير (٤) ومزامير ، إن ذكّروا لم يذكروا ، أو قدّموا إلى الحقّ أدبروا ، وجعلوا الصدقات في الشبهات ، والمغانم في المحارم ، والفيء في الغي. هكذا كان زمانهم ، وبه كان يعمل سلطانهم ، وزعموا أنّ غير آل محمد أولى بالأمر منهم ،
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ٧ / ١٦٠.
(٢) سورة الأحزاب / ٣٣.
(٣) الماخور : بيت الريبة.
(٤) والطنابير : جمع طنبور ، وهو آلة من آلات الطرب ، ذو عنق طويل ، وستة أوتار من نحاس.