أقول : قوله (وقُتل في موالاة علي) يريد ما ورد في كتب التاريخ من أنّ جلاوزة معاوية قالوا لحجر وأصحابه : إنّا قد أُمِرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له ؛ فإن فعلتم تركناكم ، وإن أبيتم قتلناكم. فقالوا : إنّا لسنا فاعلي ذلك. فقُتِلوا.
أمّا قول الذهبي في حجر : إنّه (كان يكثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ، فهو السبب المباشر الذي جعل معاوية وزياد لا يتورّعان عن قتل حجر. وملخّص ذلك ما رواه الطبري عن أبي مخنف قال :
كان المغيرة إذا لعن علياً عليهالسلام على المنبر قام حجر ، وقال : بل إيّاكم فذمم الله ولعن. ثم قام فقال : إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ). وأنا أشهد أنّ مَنْ تذمّون وتعيّرون لأحقُّ بالفضل ، وأنّ مَنْ تزكّون وتطرون أولى بالذمّ (١).
وكانت سياسة الدولة هي عدم استخدام العنف مع المنكرين في المرحلة الأولى من أجل تشخيص أبعاد ردود الفعل والقائمين بها ؛ ليتسنى تصفيتهم بشكل هادئ ومدروس ، ومن هنا لم يتورَّط المغيرة بأيّ ردّ فعل قاس إزاء حجر وأصحابه.
ومات المغيرة اُخريات سنة خمسين أو أوائل سنة ٥١ هجرية ، (والانقلاب الاُموي بعد وفاة الحسن في أيّامه الأولى) ، وضم معاوية الكوفة إلى زياد بعد ما أثبت كفاءة خاصّة في إدارة البصرة.
وجاء زياد واتّخذ إجراءاته التي ذكرناها آنفاً ، واستعد لخوض مرحلة المواجهة الحادة مع حجر وأصحابه المنكرين على بني اُميّة سياستهم.
ولم يسجّل حجر ولا أصحابه طوال هذه المدّة أي موقف يسوِّغ للسلطة قتلهم من قبيل خلع الحاكم وحمل السيف ضدّه ، واكتفوا بالمواجهة اللسانية والفكرية استجابة لتوجيه الإمام الحسين عليهالسلام لهم كما سيأتي بيانه. ولم يكن أمام زياد والحالة هذه إلاّ أن
__________________
(١) الطبري ٤ / ١٨٨.