ينصر الإمام عليه وعلى أتباعه ، فبعد دخول إبراهيم باشا إلى حلب ذهب بعض من لا خلاق له وأعلم الباشا بذلك ، فألقى القبض على الكثير وحبسهم ممن وقّعوا هذه الفتوى منهم عبد الرحمن أفندي المدرس مفتي الحنفية في حلب ، والشيخ محمد أبو الوفا الرفاعي وغيرهم ، ثم أرسل إلى المترجم يستفتيه عن حكم جماعة أخذوا يعيثون في الأرض فسادا ويلقون بذور الشقاق بين الأهالي ويحرضونهم على قتال أميرهم القائم بنصرتهم والمنقذ لهم من حكم الأتراك وربقة أسرهم ، فاعتذر المترجم وقتئذ وطلب مهلة في إعطاء الجواب إلى حين مراجعة النقول الشرعية في مثل هذه القضية ، وفي خلالها هيأ أسباب الرحلة واستناب كلا من أخيه الشيخ أحمد وتلميذه الشيخ محمد الخانطوماني والشيخ أحمد الحجار في دروسه وكفالة عائلته ، وحرر الجواب وبيّن فيه أن الفتوى على قدر النص ، وأنه لا يسأل عن ذلك لأنهم إنما أفتوا بما اتصل بهم ، وأنهم إذا لم يثبتوا خروج إبراهيم باشا على السلطان فإنهم حينئذ يجازون ، وأطال في بيان الجواب مستدلا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، ووضع الجواب في مدرسته في مكان قعوده وسافر ليلا إلى مصر. وفي اليوم الثاني أرسل إبراهيم باشا إلى المدرسة فأعلم بسفر الشيخ ليلا وأنه ترك هذه الورقة ، فأخذها ، ولما قرئت له اغتاظ جدا ، ونظرا لقرب دخوله إلى حلب لم يجسر على الفتك بأحد من موقعي الفتوى لأنه لم يستحصل على فتوى توجب قتلهم كما كان يروم ، فاضطر أن يترك أكثر هؤلاء الموقعين ، واكتفى بنفي عبد الرحمن أفندي المدرس مفتي حلب والشيخ محمد أبو الوفا الرفاعي إلى عكا ثم الشام وتفرس إبراهيم باشا أن المترجم ذهب إلى مصر ، فكتب إلى والده محمد علي باشا بلزوم القبض عليه وإرساله مخفورا إلى حلب ، وكان المترجم قد دخل الأزهر وحدّث بقضيته للشيخ محمد النشواني ، وكان شيخ الأزهر وقتئذ وله الوجاهة التامة لدى محمد علي باشا ، فتداخل بالأمر واستحصل أمرا بالعفو عنه وعن المنفيين إلى الشام ، فعادوا إلى حلب.
وفي شهر ذي القعدة سنة ١٢٥٠ توجه إلى مصر بقصد التجارة ووضع ولده الشيخ عبد السلام في الأزهر ونزل ضيفا مكرما عند صديقه الشيخ محمد عياد الطنطاوي ، ولم يمض على وصوله شهر حتى أصيب بالطاعون وذلك ثالث ذي الحجة من هذه السنة ، فحزن على فقده كل من عرفه وعرف فضله ، ودفن بالقرافة الكبرى بالقرب من الإمام الشافعي رضياللهعنه.