الدولة العثمانية ، وبعد عودته خرج سائحا مع بعض إخوانه إلى بغداد لزيارة ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني ، واجتمع بأكابر علمائها وفضلائها.
ولما ذاعت شهرته وبعد صيته سمع به السلطان محمود الثاني فأرسل إليه يستقدمه ليتبرك به ، فذهب إلى الآستانة وبقي فيها سنة كاملة وأقرأ أخت السلطان (أسما سلطان) وظهر هناك على يده كرامات عديدة. ولما عزم على الرجوع إلى حلب عرض عليه السلطان أملاكا ومقاطعات فلم يقبلها ولم يأخذ سوى بعض ألبسة صوفية [جوخ] وعدة مصاحف خطية.
وأما آثاره العلمية فكانت لا تتعدى علم التصوف حيث كان الغالب عليه هذه الحال (١).
ولما أبادت الدولة العثمانية العساكر الأنجكارية أنقذ المترجم رجالا كثيرين منهم من القتل بشفاعته لما كان له عند الدولة من رفعة المنزلة وحسن القبول ، مع أن إنقاذ واحد من هؤلاء من القتل كان أمرا صعبا جدا. ومع هذه المكانة كان قانعا من الدنيا باليسير راضيا بالكفاف هو وأولاده الصغار لا يملك من حطام الدنيا شيئا. وكاتبه الملوك والأمراء.
وكان قوي الجأش ماضي العزيمة لا تأخذه في الله لومة لائم ، حتى إنه لما قدم إبراهيم باشا المصري إلى حلب بادر إلى زيارة الشيخ وكان قد كف بصره وبلّغه سلام أبيه محمد علي باشا وأعرب له عن ألمه لمصاب الشيخ في بصره ، فما كان منه إلا أن أخذ في نصحه وحضه على العدل وعدم الظلم للرعية ، ومن جملة ما قاله له : [إني أحمد الله أنه كف بصري حتى لا أرى ظالما مثلك]. ولما بلغ محمد علي باشا أن الشيخ فقد بصره أنفذ إليه طبيبا من مصر لمداواته ، فلما حضر الطبيب قال له : يلزم عليك أن تلتزم السكون مدة خمسة عشر يوما وأن تكون مستلقيا على ظهرك مع تعاطي الدواء لتشفى ، فلم يقبل بذلك مخافة إضاعة الصلاة بأوقاتها ، ورجح بقاءه فاقد البصر ، إلى أن توفاه الله في حلب سنة ١٢٥١ ألف ومائتين وواحد وخمسين ، ودفن في تربة الجبيلة رحمهالله تعالى. ا ه. (من قلم حفيده الوجيه نافع أفندي المرعشي بتصرف قليل).
__________________
(١) رأيت من مؤلفاته في مكتبة حفيده الوجيه الحاج فاتح أفندي المرعشي كتاب «وصلة السالك إلى أقصى المسالك» وهو مختصر «غنية السالكين» في التصوف وهو شرح على «ورد الستار».