ولما كانت سنة ١٨١٨ حاول جراسيموس مطران الروم غير الكاثوليك في حلب أن يكره الروم الكاثوليكيين على طاعته ، فأبو إجابة طلبه ، فأخذ يدس لهم الدسائس حتى تمكن من قتل ١١ شخصا منهم فضلوا الموت في سبيل الحق على أمره ، واضطر غيرهم إلى الفرار إلى لبنان ، فأقاموا فيه إلى سنة ١٨٢٥ ، فقال نصر الله من قصيدة يصف أحوال ملته واعتداء جراسيموس على طائفته وما قاساه الكاثوليك في تلك المحنة :
دع العين مني تذرف الدمع عندما |
|
فحق لهذا الخطب أن تسكب الدما |
وخل زفير القلب يحرق أضلعا |
|
أبت من لهيب الحزن أن تتقوما |
وذر كبدي تفنى من البؤس والأسى |
|
فحق عليها أن تذوب وتعدما |
وهي طويلة أورد معظمها في مجلة المشرق.
ورحل إلى مصر سنة ١٨٢٨ واختص هناك بخدمة حبيب البحري ، فصار من كتاب الديوان تحت نظره. ولما بنى حبيب البحري قصرا في النيل سنة ١٨٣٠ م (١٢٤٦) قال الطرابلسي يهنئه بهذه القصيدة :
إن البناء دليل قدر الباني |
|
وجماله للمرء ذكر ثان |
ودليل حسن العقل ما يختاره |
|
وبذاك تعرف قيمة الإنسان |
ونتيجة الأفعال في آثارها |
|
وجلالة الأخطار في البنيان |
ومحاسن الآثار توضح ما خفى |
|
من فضل موجدها مدى الأزمان |
وهي طويلة أوردها ثمة بتمامها ، ثم قال : ثم أصاب الطرابلسي عند ولي نعمته حظوة وترقى في خدمته ، فأدخله البحري على محمد علي باشا أمير مصر في ذلك العهد ، فأكرم مثواه وأجازه. ولصاحب الترجمة فيه قصائد لم نقف عليها. ومما قاله في ذلك الزمان وصفه لخزانة مجموعات السكك القديمة في القاهرة :
أفيقوا بني الدنيا فقد وعظ الدهر |
|
فليس لكم من بعد إنذاره عذر |
ألم تسمعوا من حاز شرقا ومغربا |
|
وضاقت به الآفاق قد ضمه القبر |
فأين الملوك الصيد من خضعت لهم |
|
رقاب الورى ثم أطاعهم القصر |
وأين الأولى سادوا وبالعلم قد غدوا |
|
فلاسفة من لفظهم خجل الدرّ |
فماتوا وما أضحى لنا من تراثهم |
|
سوى سكة يبقى لهم ضمنها ذكر |