ففرش صحنه بالبلاط الأصفر وكلّس قبليته ورواقه الشرقي ، وجدد أعلى منارته والمراحيض التابعة له ، ورمم عقاراته ، وأكثر هذه النفقات من ماله ومما تبرع به أهل الخير ، وقد كانوا لا يتأخرون عن مساعدته في هذا السبيل ثقة منهم به وأن ما يأخذه سيصرف في محله البتة.
وكان قائما بشؤون جامع البكرجي أيضا ، وكان غيره متوليا عليه اسما وفي الحقيقة هو الذي يباشر أموره ، ففرش أيضا صحنه بالبلاط ورممه وعمر عقاراته من ريع أوقافه التي عمرت كما ينبغي.
ومن أعمال المترجم الخيرية أنه بلط جادة جب القبة إلى قرب جامع بانقوسا ، وفرش الجادة من مسجد هارون دده حتى جوار داره ، وفرش الطريق الممتد من المحل المعروف بورشة الفعول حتى سبيل محلة الأبراج ، وكل ذلك من ماله الخاص.
ولما حصل الغلاء سنة ١٢٨٧ تصدق بمبالغ طائلة وسد ثلمة كبيرة في سبيل تلك المجاعة.
وله نكتة لطيفة تنم عن ذكاء وحب مفرط لعمل الخير ، وهي أنه جاء ذات يوم إلى المحل المعروف بورشة الفعول حيث يجتمع الفعلة ، وسأل المجتمعين من كان منهم يشتغل مياومة بغرش ونصف (ثمن مائة درهم من الخبز إذ ذاك) فليتبعه ، فتبعه من كان اشتدت به الفاقة ، فمشى بهم إلى زقاق هادىء له منفذ ونقد كل واحد ريالا مجيديا وصرفهم وطلب إليه أن يذهب حيث شاء مشترطا عليه أن لا يعود من الطريق التي أتى منها.
وكانت له وجاهة عند الولاة وقواد الجند وغيرهم من كبار الموظفين ، وكان متهالكا فيما يتعلق بالنفع مثل ترميم القناة ومكافحة الغلاء وتعمير الطرق ومناصرة الضعيف والمظلوم وغير ذلك من الأعمال التي غرست في قلوب مواطنيه حبه واحترامه ، وكان مع ذلك لا يحب الظهور والوظائف الرسمية ، وقد رفض مرارا عديدة تكليف كامل باشا الصدر الأعظم لما كان متصرفا على مركز حلب في سنة ١٢٨٧ منصب رئاسة البلدية ، وقال له : إما أن تعفيني أو تنفيني أو تعطيني مهلة أربعين يوما لأهاجر من حلب.
وأوصى قبيل وفاته بأن يكتب على قبره نص خاتمه الذي هو (ربي اجعل عملي صالح) وهذا يدل على تواضعه.