وكان حصل اختلاف بين جماعة في مجلس المترجم في الأرض ، هل هي متحركة أو واقفة؟ فاستدعوا لحل هذا الخلاف جلال بك من معلمي المكتب السلطاني في عهد الحكومة العثمانية ، فجاء وهو سكران وأخذ في سرد الأدلة على حركة الأرض ، فقال لهم شيخنا : إن جميع ما أتى به جلال بك من الأدلة هو ظني لا قطعي ، ونظم عند ذلك بيتين وهما :
زعموا بأن الأرض تجري مثلما |
|
تجري الكواكب والدليل ظنون |
جاؤوا بسكّير يؤيّد زعمهم |
|
يبدي فنونا والفنون جنون |
فعظم وقع هذين البيتين في نفوس الحاضرين.
وكان يتردد على شيخنا إبراهيم أفندي الكلزي حينما كان ناظرا لأوقاف حلب ، وقد عمر خانا في قرية كفر أنطوان الواقعة في الطريق بين حلب والإسكندرونة ، ولما أتم بناءه دعا شيخنا مع بعض أحبابه إلى هناك ، ولما أرادوا أن يناموا في الغرف التي فيه هجمت عليهم جيوش من البعوض والبراغيث ، فأرق شيخنا ، فارتجل عدة أبيات أسمعها من كان معه أولها :
يا ليلة في كفر أنطون بها |
|
بتنا على أرض بغير لحاف |
إلى أن قال شاكيا مما أصابهم من الهوام :
فتصرفت بدمائنا ولحومنا |
|
كتصرف النظّار في الأوقاف |
فكان لها أحسن وقع في نفوس الحاضرين وتدوولت فيما بين الناس ، غير أني لم أجد بعد البحث الكثير من يحفظ الأبيات بتمامها ، فأثبت ما وصل إليّ منها وهو المطلع والختام.
وخلاصة القول في شيخنا أنه كان علما من الأعلام ، علّامة في فنونه ، لم يخلفه في الشهباء مثله ، وفقدنا بفقده علما جما وأدبا كثيرا.
وكانت وفاته ليلة الثلاثاء في العشرين من رجب سنة ١٣٣٩ ، رحمهالله وأغدق على جدثه سحائب رضوانه.