في كلامهم حتّى صار بمنزلة المثل فحذف كحذفهم ما رأيت كاليوم رجلا ، ومثل ذلك قول القطامى : [وافر]
(١) فكرّت تبتغيه فوافقته |
|
على دمه ومصرعه السّباعا |
ومثله قوله ، وهو ابن الرقيات (قيس) : [خفيف]
(٢) لن تراها ولو تأمّلت إلّا |
|
ولها في مفارق الرّأس طيبا |
وانما نصب هذا لأنه حين قال وافقته وقال لن تراها فقد علم أنّ الطّيب والسّباع قد دخلا في الرّؤية والموافقة وأنهما قد اشتملا على ما بعدهما في المعنى ، ومثل ذلك قول ابن قميئة (وهو عمرو) : [سريع]
(٣) تذكّرت أرضا بها أهلها |
|
أخوالها فيها وأعمامها |
__________________
(٢٢٦) الشاهد فيه نصب السباع على اضمار الموافقة لما جرى من ذكرها في صدر البيت والتقدير فكرت تبتغيه فوافقته ووافقت السباع على دمه ومصرعه ، هذا تقدير سيبويه وقد رد البيت وغلط فيما تأوله فيه وأجازه لان الحمل على المعاني انما يكون بعد تمام الكلام كقولك وافقت زيدا وعنده عمرو وبشرا ، تريد وافقت بشرا عنده لان المعني قد تم في قوله وعنده عمرو ولو قلت وافقت زيدا وعنده عمرا لم يجز عند غير سيبويه في شعر ولا في غيره لنقصان الكلام دون الآخر المحمول على المعنى ، والحجة لسيبويه أن الشعر موضع ضرورة يحتمل فيه ما لا يحتمل في غيره فاذا جاز الحمل في الكلام على المعنى مع التمام جاز في الشعر ضرورة مع النقصان مع أخذه هذا عن العرب وروايته له عنهم ، وغير سيبويه يرويه :
فكرت ذات يوم تبتغيه |
|
فألفت فوق مصرعه السباعا |
وسيبويه أوثق من أن يتهم فيما نقله ورواه* وصف بقرة فقدت ولدها فجعلت تطلبه فوافقت السباع عليه.
(٢٢٧) الشاهد فيه كالشاهد في الذي قبله وعلته كعلته لأنه لما قال لن تراها ولو تأملت علم ان الطيب داخل في الرؤية كأنه قال لن تراها الا رأيت لها في مفارق الرأس طيبا ومفارق الرأس الفروق بين خصله واحدها مفرق وفرق.
(٢٢٨) الشاهد فيه نصب الاخوال والاعمام باضمار فعل وهذا جائز عندهم باجماع لأن الكلام قد تم بقوله تذكرت أرضا بها أهلها ثم حمل ما بعده على معنى التذكر فكأنه قال تذكرت أخوالها وأعمامها ولو نصب الأهل على ما نصب عليه السباع والطيب لجاز على بعد.