غير الاسم الأول في المعنى واللفظ شبّهوه بقوله وهو منى بمنزلة الولد ، وقد زعم يونس أن ناسا يقولون هو منّى مزجر الكلب يجعلونه بمنزلة مرأى ومسمع وكذلك مقعد ومناط يجعلونه هو الأول فيجرى كقول الشاعر (وهو الأخطل) : [متقارب]
(١) وأنت مكانك من وائل |
|
مكان القراد من است الجمل |
وإنما حسن الرفع هيهنا لأنه جعل الآخر هو الأول كقولك له رأس رأس الحمار ، ولو جعل الآخر ظرفا جاز ولكن الشاعر أراد أن يشبّه مكانه بذلك المكان ، وأما قولهم دارى خلف دارك فرسخا فانتصب لأن خلف خبر للدار وهو كلام قد عمل بعضه في بعض واستغنى فلما قال داري خلف دارك أبهم فلم يدر ما قدر ذاك فقال فرسخا وذراعا وميلا ، أراد أن يبيّن فيعمل هذا الكلام في هذه الغايات بالنصب كما عمل له عشرون درهما في الدرهم كأن هذا الكلام شيء منّون يعمل فيما ليس من اسمه ولا هو هو كما كان أفضلهم رجلا بتلك المنزلة ، وإن شئت قلت داري خلف دارك فرسخان تلغى خلف ، كما تلغى فيها اذا قلت فيها زيد قائم ، وزعم يونس أنّ أبا عمرو كان يقول داري خلف دارك فرسخان يشبّهه بقولك دارك منى فرسخان لأنّ خلف هيهنا اسم وجعل من فيها بمنزلتها في الاسم وهذا مذهب قوي.
وأما العرب فتجعله بمنزلة قولك خلف فتنصب وترفع لأنك تقول أنت من خلفي ومعناه أنت خلفي ولكن الكلام حذف ألا ترى أنك تقول دارك من خلف داري فيستغنى الكلام وتقول أنت منى فرسخين ، أى أنت منى مادمنا نسير فرسخين فيكون ظرفا كما كان ما قبله مما شبّه بالمكان ، وأما الوقت والساعات والأيام والشّهور والسّنون وما أشبه ذلك من الأزمنة والأحيان التي تكون في الدهر فهو قولك القتال يوم الجمعة اذا جعلت يوم الجمعة ظرفا والهلال الليلة ، وانما انتصبا لأنك جعلتهما ظرفا
__________________
(٣٢٠) الشاهد فيه رفع المكان الآخر لأنه خبر عن الأول ولا يكون ظرفا له لأنه أراد تشبيه مكانه من وائل بمكان القراد من است الجمل في الدناءة والخسة