برجل سواء والعدم فهو قبيح حتى تقول هو والعدم لأن في سواء اسما مضمرا مرفوعا كما تقول مررت بقوم عرب أجمعون ، فارتفع اجمعون على مضمر في عرب بالنيّة فهي هيهنا معطوفة على المضمر وليست بمنزلة أبي عشرة ، فان تكلمت به على قبحه رفعت العدم وإن جعلته مبتدءا رفعت سواء ، وتقول ما رأيت رجلا أبغض اليه الشرّ منه اليه ، وما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عينه وليس هذا بمنزلة خير منه أبوه لأنه مفضّل الأب على الاسم في من وأنت في قولك أحسن في عينه الكحل منه في عينه لا تريد أن تفضّل الكحل على الاسم الذي في من ولا تزعم أنه قد نقص عن أن يكون مثله ، ولكنك زعمت أن للكحل هيهنا عملا وهيئة ليست له في غيره من المواضع ، فكأنك قلت ما رأيت رجلا عاملا في عينه الكحل كعمله في عين زيد وما رأيت رجلا مبغّضا اليه الشرّ كما بغّض الى زيد ، ويدلك على أنه ليس بمنزلة خير منه أبوه أن الهاء التي تكون في من هي الكحل والشرّ كما أنّ الاضمار الذي في عمله وبغّض هو الكحل والشرّ ، ومما يدلك على أنه على أوله ينبغي أن يكون أن الابتداء فيه محال أنك لو قلت أبغض اليه منه الشّر لم يجز ولو قلت خير منه أبوه جاز ، ومن ذلك ما من أيام أحبّ الى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجّة ، وإن شئت قلت ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه وما رأيت رجلا أبغض اليه الشرّ منه وما من أيام أحبّ الى الله فيها الصوم من عشر ذي الحجة ، وانما المعنى المعنى الأول ، إلا أن الهاء هيهنا الاسم الأول ، ولا تخبر أنك فضّلت الكحل عليه ولا أنك فضّلت الصوم على الأيّام ، ولكنك فضّلت بعض الأيام على بعض والهاء في الأول هو الكحل ، وانما فضّلته في هذا الموضع على نفسه في غير هذا الموضع ولم ترد أن تجعله خيرا من نفسه البتّة ، قال الشاعر (وهو سحيم بن وثيل) : [طويل]
(١) مررت على وادي السّباع ولا أرى |
|
كوادي السباع حين يظلم واديا |
أقلّ به ركب أتوه تئيّة |
|
وأخوف إلا ما وقى الله ساريا |
__________________
(٣٤٣) الشاهد في قوله أقل به ركب وحذفه تمام الكلام اختصارا لعلم السامع ، والتقدير أقل به ركب أتوه منهم بوادي السباع فجرى في الحذف مجرى قولهم الله أكبر ، ومعناه أكبر ـ