فهذا بمنزلة وجوه قرود ، وأما قول حسّان بن ثابت : [بسيط]
(١) حار بن كعب ألا أحلام تزجركم |
|
عنّي وأنتم من الجوف الجماخير |
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم |
|
جسم البغال وأحلام العصافير |
فلم يرد أن يجعله شتما ولكنه أراد أن يعدّد صفاتهم ويفسّرها فكأنه قال أما أجسامهم فكذا وأما أحلامهم فكذا ، وقال الخليل لو جعله شتما فنصبه على الفعل كان جائزا ، وقد يجوز أن ينصب ما كان صفة على معنى الفعل ولا يريد مدحا ولا ذما ولا شيئا مما ذكرت لك ، وقال :
(٢) وما غرّني حوز الرّزامىّ محصنا |
|
عواشيها بالجوّ وهو خصيب |
ومحصن اسم الرزامىّ فنصبه على أعني وهو فعل يظهر لأنه لم يرد أكثر من أن يعرّفه بعينه ولم يرد افتخارا ولا مدحا ولا ذما وكذلك سمع هذا البيت من أفواه العرب ، وزعموا أنّ اسمه محصن ومن هذا الترحّم ، والترحّم يكون بالمسكين والبائس ونحوه ولا يكون بكلّ صفة ولا كلّ اسم ولكن ترحّم بما ترحّم به العرب ، وزعم الخليل
__________________
(٣٧٦) الشاهد فيه رفع الجسم والأحلام على اضمار مبتدإ لما أراد من تفسير أحوالهم دون القصد الى الذم ، والتقدير أجسامهم أجسام البغال وأحلامهم أحلام العصافير ولو قصد به الذم فنصبه باضمار فعل كما تقدم لجاز* هجا بني الحرث بن كعب وهم رهط النجاشي وكانت بينهم مهاجاة ، والجوف جمع أجوف وهو العظيم الجوف والجما خير جمع جمخور ، وهو الضعيف ، وأفرد الجسم وهو يريد الجمع ضرورة كما قال :
* في حلقكم عظم وقد شجينا* |
|
وقد تقدمت علته. |
(٣٧٧) الشاهد فيه نصب محصن باضمار فعل يجوز اظهاره وهو أعني لأنه ليس في ذكر اسم الرجل مدح ولا ذم فينصب عليه ومحصن اسم الرجل الرزامي ورزام حي من بني عمرو ابن تميم والعواشي المتعشية المعتلفة من الابل واحدتها عاشية ومنه المثل العاشية تهيج أي الآبية اذا رأت التي تأبى الاكل التي تتعشى هاجتها فأكلت ، وحوزها جمعها للعلف ليمنع الضيف ، وهو خصيب لانها لا تحلب وهي تعلف.