واعلم أنّ الواو وإن جرت هذا المجرى فانّ معناها ومعنى الفاء مختلفان ، ألا ترى الأخطل قال : [كامل]
(١) لاتنه عن خلق وتأتى مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
فلو دخلت الفاء هيهنا لأفسدت المعنى ، وانما أراد لا يجتمعنّ النهي والاتيان فصار تأتي على إضمار أن ، ومما يدلك أيضا على أن الفاء ليست كالواو قولك مررت بزيد وعمرو ومررت بزيد فعمرو تريد أن تعلم بالفاء أن الآخر مرّ به بعد الأول ، وتقول لا تأكل السمك وتشرب اللبن فلو أدخلت الفاء هيهنا فسد المعنى ، وان شئت جزمت على النهي في غير هذا الموضع ، قال جرير : [طويل]
(٢) ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته |
|
فانك إن تفعل تسفّه وتجهل |
ومنعك أن تجزم في الأول لأنه انما أراد أن يقول له لا تجمع بين اللبن والسمك ولا ينهاه أن يأكل السمك على حدة ويشرب اللبن على حدة ، فاذا جزم فكأنه نهاه أن يأكل السمك على حال أو يشرب اللبن على كل حال ، ومثل النصب في هذا الباب قول الحطيئة : [وافر]
(٣) ألم أك جاركم وتكون بيني |
|
وبينكم المودّة والإخاء |
كأنه قال ألم أك هكذا وتكون بيني وبينكم ، وقال دريد بن الصمّة : [طويل]
__________________
(٦٢٥) الشاهد فيه نصب وتأتي باضمار أن لأنه أراد لا تجمع بين النهى والاتيان والمعنى لا يكن منك أن تنهي وتأتي ولو جزم الآخر على النهي لفسد المعنى لقطعه على أن لا ينهي البتة عن شيء ولا يأتيه ، وإنما أراد اذا نهيت عن قبيح فلا تأته فان ذلك عار عليك.
(٦٢٦) الشاهد فيه جزم تبلغ لدخوله في النهي ، والمعنى لا تشتمه ولا تبلغ أذاته والمولى هنا ابن العم.
(٦٢٧) الشاهد فيه نصب وتكون باضمار أن على تأويل الاسم في الأول ، والتقدير ألم يقع أن أكون جاركم وتكون بيني وبينكم المودة* يقول هذا لآل الزبرقان بن بدر وكانوا قد جفوه فانتقل عنهم وهجاهم.