أرى أنك تجده يصلى ، فإذا فرغ من صلاته فقل (١) له : إنّ والدى يقرئك السّلام ويسألك الدعاء ، وإن هو عوفى أعادك (٢) إلى مرتبتك. فجاءه خمارويه فوجده قائما يصلى ، فلما انتقل من صلاته (٣) نظر «بكار» إليه ، فسلّم خمارويه عليه ، وأقرأه السلام عن والده ، فقال له : لعلّك جئت فى أمره.
فقال : نعم ، وقال له : إنه يلتمس منك الدعاء ، فإذا هو عوفى أعادك إلى مرتبتك وزادك رفعة. قال : فأخذ القاضى بكّار لحية نفسه (٤) وقال : قل له : يقول لك «بكّار» بن قتيبة : هو شيخ فإن أشرف على حفرته (٥) ، وأنت عليل مدنف (٦) أشرفت على حفرتك ، والملتقى بيننا عن قريب بين يدى الله عزّ وجلّ ، والحاكم هو الله الواحد القهار!
فعاد خمارويه إلى أبيه فوجده فى النزع ، وتحرّس عن الكلام (٧) ، فقضى نحبه ولحق بربه ، وقام بالأمر بعده ولده الأمير أبو الجيش خمارويه ، فأرسل إلى القاضى «بكار» يقول له : انصرف إلى منزلك. فقال : الدّار بأجرة ، وقد اعتدت بها وصلحت لى. فأقام بها ، وجاءه أصحاب الدار يطلبون أجرة الدّار فيما مضى ، فقال : لا أجرة علىّ. ويقال : إنه قال لهم : أنتم عفيتم داركم ونجيت بها (٨) ، وهذه أجرة الدار فى المدّة التى أقمت بها ، وإذا أقمت دفعت لكم الأجرة التى تستحقّ.
__________________
(١) فى «م» : «قل». والصواب وقوع الفاء فى جواب الشرط.
(٢) فى «م» : «عادك».
(٣) أى : خرج منها. وفى الكواكب السيارة : فلما سلّم من صلاته.
(٤) لم يقل الكاتب : «لحيته» خشية أن يلتبس الأمر على القارئ فيظن أن الضمير (فى لحيته) يعود على «خمارويه».
(٥) أى : على قبره ـ كناية عن دنوّ أجله.
(٦) مدنف : اشتد مرضه وأشفى على الموت.
(٧) تحرّس عن الكلام : احترس منه وتوقّاه.
(٨) هكذا فى «م». ومعنى عفيتم من الإعفاء ، وهو إسقاط التكلفة. ونجيت بها ـ لعلها من باب التفاؤل. ولعلها تحريف من «نحيت بها» أى : «سجنت بها» .. وفى كتاب الولاة والقضاة للكندى : «قال : الدار بأجرة ، وقد أنست بها ، فما مضى فعلى غيرنا ، وما كان فى المستأنف (أى المستقبل) فعلّى».