قال المزنى : فجئت إليه وصحبته وقرأت عليه ، وكنت أحفظ فى اليوم مائة سطر ، وقرأت كتاب الرسالة له عليه غير مرة ، واستفدت منه فوائد كثيرة. وكان يقول لى : عليك بالعزلة تنفقه. وكان يقول لى : يا مزنّى ، إيّاك والهوى ، فإنه يهوى بك إلى جهنم!!
وممّا نقل عن الشافعى أنه قال : «كان المزنّى بليدا تنقصه المواظبة».
وصنّف المزنّى تصانيف ، منها الجامعان : الكبير والصغير ، ومختصر المختصر ، والمنثور ، والمسائل المعتبرة (١) ، والترغيب فى العلم ، وكتاب الوثائق. وكان فى أثناء تصنيفه لكتابه «المختصر» كلما فرغ من مسألة قام إلى المحراب وصلّى ركعتين شكرا لله تعالى. وانتفع (٢) الناس بهذا المختصر انتفاعا لم يكن له نظير ، وأقام أهل مذهب الشافعى [وهم] عليه عاكفون ، وله دارسون ومطالعون ، ثم كانوا بين شارح يطوّل ، ومختصر يقلّل ، والجمع منهم معترف أنه لم يدرك من حقائقه سوى اليسير. وقال الإمام أبو العباس أحمد بن سريج (٣) : مختصر المزنى يخرج من الدنيا بكرا لم تفتض (٤). لأنه كان من أعرف الناس به ، وكان لا يفارق حمله ، وإليه أشار بقوله :
لصيق فؤادى مذ ثلاثين حجّة |
|
وصيقل ذهنى والمفرّج عن همّى (٥) |
جموع لأنواع العلوم بأسرها |
|
حقيق على ألّا يفارقه كمّى |
عزيز على مثلى إعارة مثله |
|
لما فيه من نسج بديع ومن نظم |
__________________
(١) فى «م» : «والمسائل والمعتبر» والتصويب من الوفيات ج ١ ص ٢١٧.
(٢) فى «م» : «فانتفع».
(٣) فى «م» : «شريح» والتصويب من الوفيات.
(٤) فى «م» : «يفتض».
(٥) فى «م» : «مذ ثلاثون» خطأ ، والصواب ما أثبتناه. والحجة : السنة ، وجمعها حجج. والصّيقل : الصّقّال الذي يصقل الشيء ويهذبه وينفيه.