وهذا المختصر أوّل مصنّف فى مذهب الشافعى صنّفه أصحابه. وروى عن المزنى أنه قال : لو أدركنى الشافعى وقت تأليف هذا الكتاب لسمعه منّى لحسنه. ومنه قولهم : دعاء مسموع ، أى : مقبول.
وحكى أبو محمد أحمد بن عبد الله المزنىّ قال : سمعت يوسف بن عبد الأحد القمنى يقول : صحبت المزنى ليلة من ليالى الشتاء وبعينيه رمد ، فكان يجدّد الوضوء ثم يعود فيصلّى ، ثم ينعس ، فيقوم ثانيا فيجدد الوضوء ، ثم يعود فيصلى ، ثم ينعس ثالثا فيجدد الوضوء ، حتى فعل ذلك سبع عشرة مرّة ، وكان لا يتوضأ من جباب (١) أحمد بن طولون ، وكان يجدد الوضوء فيخرج من الجامع ويذهب إلى النيل ، وبين الجامع والنيل مسافة بعيدة ، فيجدد وضوءه ثم يرجع (٢).
روى عنه أنه خرج من جامع مصر فرأى عبد الله بن عبد الحكم وقد أقبل فى موكبه ، [ومعه جماعة من القضاة ، والقلانس على رءوسهم](٣) فبهره ما رأى من حسن حاله وبزّته وحسن هيبته (٤) ، فسمع قارئا يقرأ : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ)(٥)؟ فقال : بلى والله ، أصبر وأرضى.
وكان (٦) يشرب فى الشتاء والصيف من كوز أصفر ، فقيل له فى ذلك ، فقال : بلغنى أنهم يستعملون السّرجين فى هذه الكيزان ، والنار لا تطهره.
__________________
(١) الجباب : جمع جبّ ، وهى البئر .. وفى طبقات الشافعية : «حباب الماء» أى : معظمه أو طرائفه. [انظر المصدر المذكور ج ٢ ص ٩٤].
(٢) إلى هنا ينتهى الساقط من «ص».
(٣) ما بين المعقوفتين عن «م» ولم يرد فى «ص».
(٤) من قوله : «فبهره» إلى هنا عن «ص» ولم يرد فى «م».
(٥) سورة الفرقان ـ الآية ٢٠.
(٦) من هنا إلى أول ترجمة «كافور الإخشيدى» عن «م» وساقط من «ص» .. وفى الوفيات ج ١ ص ٢١٨ : «وكان غاية فى الورع ، وبلغ من احتياطه أنه كان يشرب ـ فى جميع فصول السنة ـ من كوز نحاس ، فقيل له فى ذلك ، فقال : بلغنى أنهم يستعملون السّرجين فى هذه الكيزان ،