وقال : أين التوقيع الذي فى يدك؟ فأبرزه له ، فلما (١) رآه السلطان غضب غضبا عظيما وقال : كأنّه ـ والله خطّى! ثم أمر بقطع يد الرّجل. فقال القاضى : يا مولانا ، نريد من فضلكم أن تكتبوا لنا خطّكم بجانب خطّه حتى نرى ما بينهما من الفرق. فقال السلطان : نعم. ثم رقم اسمه ، فلما رآه الفاضل قال : لا إله إلّا الله!! كان باطلا فصار حقّا ، إن الله تعالى قد أذلّ قلمه وأعزّ قلمك ، وما كان لك أن تكتب شيئا ولا تمضيه.
فتبسّم السّلطان وعفا عن الرجل ، كلّ ذا بلطف من القاضى.
وقد وصفه العماد الأصفهاني فى كتاب الخريدة ، وقال فى حقه : «ربّ القلم والبيان ، واللّسن واللّسان ، والقريحة الوقّادة ، والبصيرة النّقّادة (٢) ، والبديهة المعجزة ، والبديعة المطرّزة ، والفضل الذي ما سمع من الأوائل (٣) ، فهو كالشريعة المحمدية التى نسخت الشرائع ، ورسخت بها الصّنائع ، يخترع الأفكار ، ويفترع (٤) الأبكار ، ويطلع الأنوار ، ويبدع الأزهار ، وهو ضابط الملك بآرائه ، ورابط السّلك بآلائه ، إن شاء [أنشأ](٥) فى اليوم الواحد ، بل فى السّاعة الواحدة ، مالو دوّن لكان لأهل الصّناعة خير بضاعة.
أين قسّ (٦) عند فصاحته؟ وأين قيس فى مقام حصافته (٧) ، ومن
__________________
(١) فى «م» : «فلما أن» تحريف من «فما أن».
(٢) فى «م» : «الناقدة» ، وما أثبتناه عن النجوم الزاهرة ج ٦ ص ١٥٦ ، والوفيات ج ٣ ص ١٥٩.
(٣) هكذا العبارة فى «م» ـ وفى المصدرين السابقين : «الذي ما سمع فى الأوائل بمن لو عاش فى زمانه لتعلق بغباره ، أو جرى فى مضماره».
(٤) فى «م» : «ويقترع» بالقاف ، لا تصح ، وافترع البكر : افتضها ، وهذا التعبير هنا كناية على تفوقه وبراعته ونبوغه.
(٥) ما بين المعقوفتين عن المصدرين السابقين وسقط من «م» سهوا من الناسخ.
(٦) فى «م» : «قيس» تحريف. وقس هو : قسّ بن ساعدة الإيادى ، ويضرب به المثل فى الفصاحة.
(٧) فى «م» : «خصافة» تصحيف ، والتصويب من الوفيات والحصافة : استحكام العقل وجودة الرأى.