داره ، وأوقف جميع كتبه وأقرهم بها ، ودرّس بها الشاطبى علوم القرآن ، والفقهاء (١) الفرائض. وجدّد عمارة العين الزرقاء التى بمدينة النبي صلّى الله عليه وسلم ، وحصل لأهل المدينة بها نفع عظيم. وما ترك (٢) ـ رحمه الله تعالى ـ بابا من أبواب الخير إلّا وأحرز منه أوفى نصيب. [وأوقف](٣) وقفا عظيما على فكاك الأسرى من أيدى الكفّار.
وحكى أنه خرج يوما إلى صحراء القاهرة راكبا ، فلقيه لصّ وراوده على أخذ ثيابه ، فقال له الفاضل : هل تريد شيئا غير الثياب والبغلة؟ قال : لا.
فقال له : سر معى إلى دارى ، واحملنى على مروءتى. قال : نعم رضيت ذلك.
ثم سار معه وهو لا يعرفه ، إلى أن وصل إلى باب النصر ، فلما دخل القاضى من باب النصر قام له خدمه وأعوانه ، فقال لهم : احفظوا هذا الرّجل إلى الدّار.
فأيقن الرجل أنه لا محالة هالك. فلما وصل القاضى إلى داره ، واستقر فى مجلسه ، دعا بالرجل فأدخل عليه وقد ارتاع ، فقال : لا تخف يا رجل. ثم إنه دعا بطعام فأطعمه ، ثم دعا بشراب وسقاه ، ثم دفع له البغلة والثياب ، ودفع له جائزة أخرى فوق ذلك.
ونقل أيضا عنه أنّ رجلا زوّر توقيعا بخط صلاح الدين أنّه أعطاه رزقه فى مكان ، ثم كشف أمره لإنسان ، فوشى به إلى السلطان صلاح الدين ، فدعاه
__________________
(١) فى «م» : «والكلاى» لا معنى لها .. وما أثبتناه من الخطط المقريزية وفيها : «ووقفها ـ أى المدرسة المذكورة ـ على طائفتى الفقهاء الشافعية والمالكية ، وجعل فيها قاعه للإقراء ، أقرأ فيها الإمام أبو محمد الشاطبى ناظم الشاطبية و... ووقف بهذه المدرسة جملة عظيمة من الكتب فى سائر العلوم ، يقال إنها كانت مائة ألف مجلد .. وقد ذهبت كلها لما وقع الغلاء بمصر فى سنة ٦٩٤ ه ، فصار الطلبة يبيعون كل مجلد برغيف خبز ، حتى ذهب معظم ما كان فيها من الكتب ، ثم تداولت أيدى الفقهاء عليها بالعارية فتفرقت ..».
[انظر المدرسة الفاضلية فى الخطط المقريزية ج ٢ ص ٣٦٦ و ٣٦٧].
(٢) فى «م» : «وترك» لا يصح ، وقد سقطت «ما» سهوا من الناسخ ، والسياق يستدعى وجودها.
(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من عندنا لاستقامة المعنى.