أم الحرب ، وقولهم : أم الطريق ، للطريق العظيم الذي حوله طرق صغار. ثم إن إنذار أم القرى يقتضي إنذار بقية القرى بالأحرى ، قال تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) [القصص : ٥٩] ، وتقدم في قوله تعالى : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) في سورة الأنعام [٩٢].
والمراد : لتنذر أهل أمّ القرى ، فأطلق اسم البلد على سكانه كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢]. وأهل مكّة هم قريش ، وأما من حولها فهم النازلون حولها من القبائل مثل خزاعة وكنانة ، ومن الذين حولها قريش الظواهر وهم الساكنون خارج مكة في جبالها.
والاقتصار على إنذار أمّ القرى ومن حولها لا يقتضي تخصيص إنذار الرّسولصلىاللهعليهوسلم بأهل مكة ومن حولها ، ولا تخصيص الرّسول صلىاللهعليهوسلم بالإنذار دون التبشير للمؤمنين لأن تعليل الفعل بعلة باعثه لا يقتضي أن الفعل المعلّل مخصص بتلك العلّة ولا بمتعلّقاتها إذ قد يكون للفعل الواحد علل باعثة فإن الرّسول صلىاللهعليهوسلم بعث للنّاس كافة ، كما قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ : ٢٨]. والاقتصار هنا على إنذار أهل مكّة ومن حولها لأنهم المقصود بالردّ عليهم لإنكارهم رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم.
وانتصب (أُمَّ الْقُرى) على المفعول به لفعل (تُنْذِرَ) بتنزيل الفعل منزلة المعدّى إلى مفعول واحد إذ لم يذكر معه المنذر منه وهو الذي يكون مفعولا ثانيا لفعل الإنذار. لأنّ (أنذر) يتعدّى إلى مفعولين كقوله تعالى : (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) [فصلت : ١٣] ، وفي حديث الدجال : «ما من نبيء إلّا أنذر قومه». فالمعنى : لتنذر أهل القرى ومن حولها ما ينذرونه من العذاب في الدّنيا والآخرة.
وقوله : (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) أعيد فعل (تُنْذِرَ) لزيادة تهويل أمر يوم الجمع لأن تخصيصه بالذكر بعد عموم الإنذار يقتضي تهويله ، ولأن تعدية فعل (وَتُنْذِرَ) إلى (يَوْمَ الْجَمْعِ) تعدية مخالفة لإنذار أم القرى لأن (يَوْمَ الْجَمْعِ) مفعول ثان لفعل (وَتُنْذِرَ) ، أي وتنذر الناس يوم الجمع ، فمفعول (وَتُنْذِرَ) الثاني هو المنذر به ومفعول (لِتُنْذِرَ) الأول هو المنذر.
وانتصب (يَوْمَ الْجَمْعِ) على أنّه مفعول ثان لفعل (تُنْذِرَ) وحذف مفعوله الأول لدلالة ما تقدم عليه ، أي وتنذرهم ، أي أهل أم القرى يوم الجمع بالخصوص كقوله (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) [غافر : ١٨].