[الفرقان : ٧] ، ونحوه مما تكرر في القرآن. ومثل هذا الاحتراس ما حكاه الله عن قول الكفار لرسلهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [إبراهيم : ١٠ ، ١١].
وحرصا على إبلاغ الإرشاد إليهم بيّن له ما يوحى إليه بقوله : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) إعادة لما أبلغهم إياه غير مرة ، شأن القائم بهدي الناس أن لا يغادر فرصة لإبلاغهم الحق إلا انتهزها. ونظيره ما جاء في محاورة موسى وفرعون (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [الشعراء : ٢٣ ـ ٢٨].
و (إِنَّما) مفتوحة الهمزة ، وهي أخت (إِنَّما) المكسورة وإنما تفتح همزتها إذا وقعت معمولة لما قبلها ولم تكن في الابتداء كما تفتح همزة (أنّ) وتكسر همزة (إن) لأن إنّما أو (أنّما) مركبان من (إنّ) أو (أنّ) مع (ما) الكافة الزائدة للدلالة على معنى (ما) و (إلا) حتى ذهب وهل بعضهم أن (ما) التي معها هي النافية اغترارا بأن معنى القصر إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه مثل (ما) و (إلّا) ولا ينبغي التردد في كون أنما المفتوحة الهمزة مفيدة القصر مثل أختها المكسورة الهمزة وبذلك جزم الزمخشري في تفسير سورة الأنبياء ، وما رده أبو حيان عليه إنما هو مجازفة ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) في سورة الأنبياء [١٠٨].
فقوله : (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) إدماج للدعوة إلى الحق في خلال الجواب حرصا على الهدي.
وكذلك التفريع بقوله : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) فإنه إتمام لذلك الإدماج بتفريع فائدته عليه لأن إثبات أن الله إله واحد إنما يقصد منه إفراده بالعبادة ونبذ الشرك. هذا هو الوجه في توجيه ارتباط (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) بقولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) [فصلت : ٥] إلخ.
وموقع (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أنه نائب فاعل (يُوحى إِلَيَ) ، أي يوحى إليّ معنى المصدر المنسبك من (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) وهو حصر صفة الله تعالى في أنه واحد ، أي دون شريك.