تعود الجاهلية بعد ما دخل الناس في الإسلام. ووقع في كلام ابن عباس عند الطبري : أنّهم اليهود والنصارى.
فمعنى محاجتهم في الله محاجتهم في دين الله ، أي إدخالهم على النّاس الشك في صحّة دين الإسلام أو في كونه أفضل من اليهودية والنصرانية. ومحاجتهم هي ما يلبسوه به على المسلمين لإدخال الشك عليهم في اتّباع الإسلام كقول المشركين (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [الفرقان : ٧] وقولهم في الأصنام (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] وقولهم في إنكار البعث (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) [ق : ٣] وقولهم : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) [القصص : ٥٧] ، وكقول أهل الكتاب : نحن الذين على دين إبراهيم ، وقولهم : كتابنا أسبق من كتاب المسلمين. وإطلاق اسم الحجة على شبهاتهم مجاراة لهم بطريق التهكم ، والقرينة قوله (داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
ومفعول (يُحَاجُّونَ) محذوف دلّ عليه قوله : (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) ، والتقدير: يحاجون المستجيبين لله من بعد ما استجابوا له ، أي استجابوا لدعوته على لسان رسولهصلىاللهعليهوسلم.
وحذف فاعل (اسْتُجِيبَ) إيجازا لأن المقصود من بعد حصول الاستجابة المعروفة.
والداحضة : التي دحضت بفتح الحاء ، يقال : دحضت رجله تدحض (بفتح الحاء) دحوضا ، أي زلت. استعير الدحض للبطلان بجامع عدم الثبوت كما لا تثبت القدم في المكان الدّحض ، ولم يبيّن وجه دحضها اكتفاء بما بيّن في تضاعيف ما نزل من القرآن من الأدلة على فساد تعدد الآلهة ، وعلى صدق الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، وعلى إمكان البعث ، وبما ظهر للعيان من تزايد المسلمين يوما فيوما ، وأمنهم من أن يعتدى عليهم.
والغضب : غضب الله ، وإنما نكّر للدلالة على شدته. ولم يحتج إلى إضافته إلى اسم الجلالة أو ضميره لظهور المقصود من قوله : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فالتقدير : وعليهم غضب منه. وإنما قدم المسند على المسند إليه بقوله : (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) للاهتمام بوقوع الغضب عليهم كما هو مقتضى حرف الاستعلاء المجازي.
وكذلك القول في (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ). ولعل المراد به عذاب السيف في الدّنيا بالقتل يوم بدر.